أسباب التوحد
التوحد ليس مرضاً محدداً ذي عرض معين، أو أن له تحاليل واختبارات تحدده، بل مجموعة من الأعراض تغطيها مظلة تشخيصية تسمى الاضطرابات الانفعالية العامة Pervasive Developmental Disorders، فالتوحد مجموعة من الأعراض والتصرفات تختلف حدتها ونوعيتها من طفل لآخر ، كما أنها تتفاوت في الطفل نفسه، والطفل نفسه تختلف هذه الأعراض لديه بالزيادة والنقصان، ومع العديد من الدراسات والأبحاث التي أجريت خلال نصف قرن من الزمن فما زالت أسباب التوحد مجهولة، وليس هناك سوى فرضيات واحتمالات ، ومع وصول الإنسان إلى الفضاء واختراع الكمبيوتر فما زال عاجزاً عن الدخول إلى النفس البشرية وأغوارها، إثباتا لقدرة الله وضعف الإنسان. ما هو سبب وجود صعوبة في معرفة الأسباب ؟ هناك أسباب عديدة لعدم معرفة الأسباب، نوجزها كما يلي : - عدم الاتفاق بين المختصيّن على طبيعة الإصابة ومميزات التوحد واضطرابات التطور العامة - التشخيص يعتمد على الأخصائيين وتجاربهم - طريقة الدراسة البحثية للحالات : 1. بعض الحالات تؤدي إلى التوحد مثل التهاب السحايا Meningitis ولكن ليس كل الحالات 2. طبيعة الإصابة تشترك في الكثير من المميزات والأعراض مع العديد من الحالات والإعاقات الأخرى 3. بعض الحالات الخفيفة قد تشخص على أنها حالات اضطراب في التعلم 4. بعض الحالات تشخص على أنها تخلف فكري غير معروف السبب 5. بعض الحالات تتغير أعراضها بالزيادة والنقصان ما هي نظرية النخبة ؟ عند بداية تشخيص التوحد منذ نصف قرن، لاحظ ليو كانر Leo Kanner في حالات التوحد الذي تابع علاجها أن الوالدين أو أحدهما يكون ذي مستوى ذكاء عالي، وانهم يعملون في المجالات العلمية والفنية الدقيقة ( ذوي ذكاء عالي)، كما لاحظ انهم باردين في تعاملهم متحفظين منعزلين، غير متفرغين لتربية طفلهم في سن مبكر لإنشغالهم بمسؤولياتهم، لذلك فقد كانت نظرية النخبة ، ولكن مع مرور الأيام وتقدم الخدمات الصحية وشموليتها لكل الطبقات الاجتماعية فقد لوحظ التوحد في كل الطبقات الاجتماعية، كما لوحظ كذلك أن العائلة التي لديها طفل متوحد مهما كانت طبيعة العائلة وطريقة التعامل مع الطفل لديها أطفال طبيعيين، والنتيجة النهائية أن التوحد يصيب جميع العائلات، وبلا وطن و يصيب كل الأعراق والجنسيات، الذكور منهم والإناث. هل هي إصابة معينة في المخ ؟ قامت مراكز البحوث بالعديد من الدراسات لمعرفة ما هو نوع التلف المخي لدى الأطفال التوحديين، فقد استخدموا كل الطرق التشخيصية ، ولكن تلك الطرق كانت عاجزة عن التعرف على هذا التلف ومكانه، فالنتائج محيرة ومربكة، حيث تم اكتشاف التلف في أجزاء متعددة تختلف من طفل لآخر، كما أن هذا التلف قد يوجد في أطفال غير مصابين بالتوحد، ومن تلك الفحوصات: - الدراسات التشريحية بعد الوفاة - الفحوص الإشعاعية للمخ مثل الرنين المغناطيسي MRI الأشعة المقطعية CT-scan، PET، SPET - النشاط الكهربي للمخ EEG - كيمياء المخ Brain Chemistry ما هي الأسباب النفسية Psychogenic والبيئية ؟ البيئة هي كل ما يحيط بالإنسان من الخارج من ظروف طبيعية وعلاقات إنسانية، وهذه البيئة تؤثر وتتأثر بالتفاعل الناتج بينهما لتبني له الخبرة والتجربة، وما يكون عليه مستقبل الطفل النفسي والاجتماعي، والتعايش مع المجتمع حوله ، ومن الأسباب البيئية النفسية : - العلاقة بين الطفل ووالديه - شخصية الوالدين : الانعزالية والتحفظ في التعامل ، الأم الباردة ( الثلاجة ) - الأمراض النفسية لدى الوالدين : انفصام الشخصية - المشاكل النفسية كالطلاق إلاً أنه لا يوجد ما يؤيد تلك النظرية، فعند القيام بنقل هؤلاء الأطفال التوحديين للعيش مع عائلات بديلة كعلاج لم يكن هناك تحسن لحالتهم، كما أننا نجد أطفال أصحاء لدى نفس العائلة، كما نرى بعض الحالات تبدأ من الولادة حيث لا يكون لتعاملهم مع الطفل أي دور. فشل هذه النظرية أراح الكثير من العائلات التي كانت تلقي اللوم على نفسها كسبب لحدوث الحالة. ما هي الأسباب البيولوجية Biological الإحيائية؟ هناك العديد من المؤشرات الدالة على أن التوحد يحدث نتيجة لعوامل بيولوجية تؤدي إلى خلل في أحد أو بعض أجزاء المخ، ومن تلك المؤشرات أن الإصابة تكون مصحوبة بأعراض عصبية أو إعاقة عقلية، كما أن إنتشار التوحد في جميع المجتمعات ينفي تأثير العوامل النفسية الاجتماعية، ولكن قد يكون هناك عدم قبول لنظرية الأسباب البيولوجية عندما لا نجد أي سبب طبي أو إعاقة عقلية يمكن أن يعزى لها السبب ، وذلك يقودنا إلى الاستنتاج بأن هناك أسباب طبية مستترة خفية وراء كل حالات التوحد لم يتم التعرف سوى على القليل منها، ومن أهم الأسباب البيولوجية المعروفة: - الأمراض الوراثية - الالتهابات الفيروسية - الأسباب الطبية - الأسباب الكيماوية الحيوية الأسباب الوراثية ؟ المورثات ( الجينات ) تنقل الكثير من الخصائص البشرية من الوالدين إلى طفلهم كاللون والطول والشكل وغيرها، بالإضافة إلى الكثير من الاضطرابات الحيوية Inborn error of metabolism ، وقد توصل العلم الحديث إلى معرفة البعض منها، ومعرفة مكانها على خارطة الكر وموسوم، ولكن حتى الآن لم يتم معرفة أي موّرث ( جين ) يكون سبباً لحدوث التوحد، كما أن القصة المرضية لا تعطي دليلاً على وجود التوحد وتسلسله في العائلة . في إحدى الدراسات التي أجريت على التوائم تبين إمكانية حدوث التوحد في كلا التوأمين يصل إلى نسبة 50% ، مما يجعل الوراثة سببا مهماً، كما أظهرت دراسة أخرى أن العائلة التي يوجد لديها طفل متوحد يوجد لدى بعض أفرادها اضطرابات في التعلم واللغة ومشاكل تطورية أخرى بدرجات متفاوتة، كما أن قابلية حدوث التوحد خمسين ضعفاً أكثر منه في العائلات الأخرى ، كل ذلك يجعل العامل الوراثي مهماً جداً، وهناك أمراض وراثية تزيد نسبة حصول التوحد ، ولكن هذا الترابط غير واضح بينهما ، ومنها: - فينايل كيتون يوريا Phenyl ketonuria
( افتقاد القدرة على التخلص من الحامض الأميني، تخلف فكري شديد، تلف في المخ ) - تيوبيرس سكليروزز sclerosis Tuberous
( الصرع ، التخلف الفكري، تورم في المخ، بقع على الجلد ) - نيوروفايبروماتوزز Neurofibromatosis
( علامات جلدية، خلل عصبي ) - الكروموسوم الجنسي الهش Fragile- X syndrome
( خلل صبغي موروث يؤدي إلى صعوبات في التعلم، إعاقة عقلية) الالتهابات الفيروسية: هناك العديد من الالتهابات الفيروسية التي تصيب الأم الحامل أو الطفل في المرحلة المبكرة من حياته قد تؤدي إلى التوحد، ومنها: - الحصبة الألماني Rubella - تضخم الخلايا الفيروسي CytoMegalloVirus - التهاب الدماغ الفيروسي Herpes Encephalitis أسباب طبية: هناك حالات وأمراض كثيرة قبل الولادة وبعدها ترتبط بالتوحد ، ولكن العديد من تلك الإصابات لا تؤدي إلى التوحد ، ليكون الترابط بينهما غامض وسبب غير مؤكد ، ومنها : - إصابات قبل الحمل مثل الزهري الذي يؤدي إلى الزهري الوراثي - إصابات الحمل : الإصابة بأمراض معدية كالحصبة وقت الحمل قد تؤدي للتوحد - إصابات حول الولادة : مشاكل الولادة يمكن أن تكون عوامل خطر لحصول التوحد ومنها : نقص الأكسجين ، النزيف ، إصابات الرأس ونزيف المخ ، وغيرها. - الحرارة العالية ( أكثر من 41.5 درجة ) قد تؤثر على المخ وبالتالي تؤدي إلى تلف جزء منه. هل التوحد نتيجة اضطرابات أو إصابة للجهاز العصبي ؟ إصابات واضطرابات المخ والجهاز العصبي يمكن أن تحدث نتيجة العديد من الأسباب ومنها: - العيوب الخلقية - العيوب الوراثية PKU, Tuberous sclerosis - نقص الأكسجين وقت الولادة - الأدوية والسموم - الإصابات ( وقت الولادة وبعدها ) - التهابات المخ والسجايا - الولادة المبكرة Pre maturity هذه الإصابات تختلف في درجتها من البسيطة إلى الشديدة مما يؤدي إلى تأثيرات متباينة على الجهاز العصبي، كما أنها قد تؤدي إلى اضطرابات معينة ( السمع ، النظر )، والبعض قد تظهر عليه أعراض التوحد، ولكن تتبع الأسباب السابقة أظهرت أن الكثير من الأطفال قد تم نموهم بشكل طبيعي ، لذلك لا نستطيع الجزم بان هذه الأسباب قد تؤدي إلى التوحد. نظرية الاختلال الوظيفي لمراكز التحكم في المخ : كل جزء من الدماغ له خاصية وعمل معين، وللتوضيح نركز على النقاط التالية: - قشرة الدماغ تتكون من جزئين أيمن وأيسر - كل فعالية لها موقعها الخاص - أحد قشرتي الدماغ عادة ما يكون المسيطر وفيه مركز المقدرات اللغوية - الجزء الصدغي كمركز للوقت - الجزء الحيزي كمركز لتحديد المكان والإدراك الحسي Spatial Perception - لوحظ أنه مع الزيادة في العمر هناك زيادة في القدرات والتركيز في الدماغ . - في حالة التوحد هناك نظرية الاختلال الوظيفي لمراكز التحكم في المخ Lateralization، حيث يعمل نصفي قشرة المخ بطريقة غير طبيعية، حيث يكون هناك بعض الفعاليات تعمل في النصف المعاكس، مما يؤدي إلى فوضى وتشويش في عمل المراكز الحسية. ما هي الأسباب الكيماوية الحيوية ؟ تلعب اضطرابات الكيمياء الحيوية دوراً كبيراً في حدوث التوحد وإن كان العلماء غير متأكدين من كيفية حدوثه، مع أهمية ودور الأسباب الأخرى، فالكيمياء الحيوية تلعب دوراً مهماً في عمل الجسم البشري، وان كنا لا نعرف إلاّ النزر اليسير منها . المخ والأعصاب تتكون من مجموعة من الخلايا المتخصصة التي تستطيع أن تنقل الإشارات العصبية من الأعضاء إلى الدماغ وبالعكس من خلال ما يسمى بالموصلات العصبية Neurotransmitters وهي مواد كيماوية بتركيزات مختلفة من وقت لآخر حسب عملها في الحالة الطبيعية، ولتوضيح الصورة نذكر بعضها : - بعض المواد وجدت بنسبة جيدة في المناطق التي تتحكم في العواطف والانفعالات Nor-epinephrine, Dopamine , Nor-epinephrine, Serotonin - وجد ارتفاع السيروتينين في بعض أطفال التوحد بنسبة تصل إلى 100% ولكن العلاقة بينهما غير واضحة. - الدوبامين Dopamine يزيد في المناطق التي تتحكم في الحركة الجسمية، وعند استخدام علاجاً لتخفيض نسبتهاDopamine antagonist فقد تؤدي إلى تحسن الحركة لدى الأطفال الذين لديهم حركات متكررة Stereotypic movement . - Epinephrine, Nor-epinephrine تتركز في المناطق التي تتحكم في التنفس ، الذاكرة ، الانتباه ، وتلعب دوراً مجهولاً في حصول التوحد. ما هي نظرية التوحد اضطراب أيضي ؟ في هذه النظرية إفتراض أن يكون التوحد نتيجة وجود بيبتايد Peptide خارجي المنشأ ( من الغذاء ) يؤثر على النقل العصبي داخل الجهاز العصبي المركزي، وهذا التأثير قد يكون بشكل مباشر أو من خلال التأثير على تلك الموجودة والفاعلة في الجهاز العصبي، مما يؤدي أن تكون العمليات داخله مضطربة. هذه المواد Peptides تتكون عند حدوث التحلل غير الكامل لبعض الأغذية المحتوية على الغلوتين كالقمح، الشعير، الشوفان، كما الكازين الموجود في الحليب ومنتجات الألبان. لكن في هذه النظرية نقاط ضعف، فهذه المواد لا تتحلل بالكامل في الكثير من الأشخاص، ومع ذلك لم يصابوا بالتوحد، لذلك تخرج لنا نظرية أخرى تقول بأن الطفل التوحدي لديه مشاكل في الجهاز العصبي تسمح بمرور تلك المواد إلى المخ ومن ثم تأثيرها على الدماغ وحدوث أعراض التوحد. هل المواد المضافة ممكن أن تؤدي إلى التوحد؟ هناك دراسات كثيرة في هذا المجال ، وقد دلت بعض الحقائق العلمية على وجود علاقة بين فرط النشاط Hyperactivity وما يترتب عليه من عدم القدرة على التركيز لدى بعض الأطفال ونوعية المواد المضافة والحافضة للأغذية، أما التوحد فلم تظهر دلائل تشير إلى ذلك. هل للتطعيم دور في حدوث التوحد؟ ذلك موضوع تم نشرة وتلقفته أيادي عائلات الأطفال التوحديين بقوة في أوروبا وأمريكا بحثاً عن بصيص أمل لمسببات التوحد ،حيث قام الدكتور واكفيلد بنشر بحث عن هذا الموضوع، ويمكن الرجوع إلى Taylor et al. 1999 وهي دراسة موثقة عن عدم وجود علاقة بين التطعيم الثلاثي والتوحد ، مع توضيح نقاط الضعف في هذه الدراسة وعدم تطابقها مع الدراسات العلمية البحثية ، كما أريد توضيح أن التطعيم الثلاثي قد حمًل الكثير من المشاكل ومنها أنه يسبب تأثيرات عصبية متنوعة وقد أثبتت دراسات مللر Miller et al. 1997 عدم صحتها. وفي النهاية لا بد من القول أن التطعيم يقي أطفالنا الكثير، ولم يستخدم عبثاً، فيجب تجنب مثل هذه الدراسة حتى تعتمدها المراكز العلمية
Comments