زرع القوقعة
زرع القوقعة زرع القوقعة ( أو الحلزون ) وسيلة من الوسائل التي قدمها تطور البحث العلمي في السنوات الأخيرة ، وذلك لمساعدة الصم على تجاوز إعاقتهم ، وتسهيل اندماجهم في المجتمع. ولكي نتعرف على الموضوع بشكل جيد لا بد من ذكر النقاط التالية: - ضرورة البدء بمقدمة موجزة عن القوقعة وعملها. - تناول البحث يشكل عملي دون الخوض في البحوث النظرية المعقدة. - مناقشة الموضوع بشكل عام ، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل حالة نقص في السمع هي حالة مستقلة ، وتحتاج إلى دراسة مفصلة لأخذ القرار الصحيح . مقدمة تشريحية وظيفية: تتألف الأذن تشريحيا من ثلاثة أقسام : الأذن الخارجية -- الأذن الوسطى -- الأذن الداخلية . الأذنان الخارجية والوسطى مسؤولتان عن النقل الميكانيكي للاهتزازات الصوتية القادمة من الوسط الخارجي . أما الأذن الباطنة فهي تتألف من جهاز للسمع وجهاز للتوازن . جهاز السمع يتمثل في القوقعة التي تحوي العضو الحساس المسؤول عن نقل السمع إلى العصب السمعي ، ويطلق عليه اسمعضو كورتي هذا العضو النبيل يحوي الخلايا المشعرة الحسية العصبية التي تقوم بتحويل الاهتزازات الصوتية الواصلة من الأذن الوسطى إلى إشارة كهربائية يطلق عليها اسم " السيالة العصبية". هذه الخلايا تتصل مع ألياف العصب السمعي الذي يقوم بنقل السيالة العصبية إلى المراكز الدماغية. وهذا هو مخطط سير الاهتزازات الصوتية حتى وصولها إلى الدماغ بشكل إشارات كهربائية قابلة للتحليل والتفسير. نقص السمع الحسي العصبي يحدث في معظم الأحوال نتيجة إصابة في هذه الخلايا الحساسة، ومن أسباب هذه الإصابة : التشوهات الخلقية ، الإصابات الوراثية ، العوامل الجرثومية والفيروسية ، الأسباب الرضية ،................ وعند إصابة هذه الخلايا - وحسب درجة الإصابة - يفقد الحلزون قدرته على القيام بتحويل الاهتزازات الصوتية إلى إشارات كهربائية، وبالتالي يحدث نقص نسبي في القدرة على السمع. مبدأ زرع القوقعة: زرع حاسوب صغير( سنشرح الكيفية فيما بعد) يقوم بوظيفة القوقعة من حيث تحويل الاهتزازات الصوتية إلى إشارات كهربائية . فيقوم الجهاز بالتقاط الاهتزازات الصوتية من الوسط الخارجي ويرسلها إلى الحاسوب الذي يقوم بتحليلها وتضخيمها، ثم ترسل الإشارة إلى القطعة الداخلية المزروعة التي تقوم بإيصال الرسالة الكهربائية السمعية بواسطة أسلاك دقيقة إلى ألياف العصب السمعي ، ثم تتابع طرقها كالمعتاد. من هم الصم المرشحون لزرع القوقعة ؟ هناك شروط عدة للترشيح لزرع القوقعة : - وجود نقص سمع حسي عصبي مزدوج يتراوح في شدته بين الشديد والعميق . - التأكد من سلامة ألياف العصب السمعي بواسطة اختبارات خاصة. ( لأن الهدف هو زرع بديل للقوقعة وليس للعصب السمعي) - فشل حدوث أي تطور على مستوى النطق بعد تجربة معينات سمعية مناسبة مع الخضوع للتأهيل الخاص وذلك لمدة ستة أشهر على الأقل . - تطور روحي حركي طبيعي . - عدم وجود مضاد استطباب ( وسنذكرها في فقرة مستقلة ) - العمر: ويلعب دورا أساسيا في نجاح زرع القوقعة ، وسنفرد له بحثا خاصا . ملحوظة هامة : كان تقييم المعينات السمعية يعتمد سابقا على اجراء تخطيط سمع في الساحة الحرة ، ثم تبين أن هذا التقييم غير دقيق. فأصبح التقييم يعتمد - وخاصة عند تقرير زرع قوقعة- على اجراء اختبارات تمييز الكلام بوجود المعينات السمعية في الساحة الحرة. لأن التقييم الأساس للمعينة السمعية هو مدى إدراك الكلام وليس مدى التقاط الأصوات الصافية . ماهي مضادات استطباب زرع الحلزون؟ - اختلال أحد الشروط السابقة للترشح للعمل الجراحي . - مضادات استطباب التخدير العام. - مرض عام متطور. - اضطراب عصبي أو نفسي هام . - بعض تشوهات الصخرة ( تشخص بالتصوير الشعاعي ). - عدم وجود الحافز القوي عند الأهل لمتابعة التأهيل التالي للعمل الجراحي . دور العمر في تحديد درجة نجاح زرع القوقعة. يتدخل العمر إلى درجة كبيرة في تحديد مستوى نتائج زرع القوقعة . فمن المعلوم أنه كلما كان سن حدوث الإصابة أصغر كان تأخر النطق أوضح ، لذا تم تقسيم المصابين بنقص السمع إلى مجموعات ثلاث حسب سن حدوث الإصابة : 1- ماقبل الكلام prelingual: وفيها تكون الإصابة بالصمم باكرة جدا ( خلقية أو مكتسبة في الأشهر الأولى من العمر) ، وذلك قبل أن يتم اكتساب أي نطق . 2- ماحول الكلام perilingual: وفيها تحدث الإصابة في عمر أكبر قليلا من المجموعة السابقة ، وفي وقت يكون فيه الطفل قد جاوز مرحلة معينة في اكتساب النطق . 3- مابعد الكلام postlingual: وفيها تحدث الإصابة عند طفل كبير أو كهل ، ويكون اكتساب النطق قد تم بشكل كامل قبل حدوث الإصابة. فمن الواضح أن ابناء المجموعة الأولى يحتاجون إلى تدريب وتأهيل مكثفين بعد العمل الجراحي ، بسبب انعدام وجود أي مخزون سمعي كلامي لديهم ، وبالتالي فتأهيلهم طويل والنتائج لديهم متوسطة الجودة . إذن كلما حدثت الإصابة بالصمم في عمر أكبر كان إنذار التأهيل واكتساب النطق أفضل. ولعل المجموعة الأخيرة هي المجموعة المثالية والتي تعطي أفضل النتائج،لأن المريض لديه مخزون كامل من الكلمات يستطيع العودة إليه بسهولة عند إجراء التأهيل . إن عامل السن يتدخل أيضا في أمور أخرى منها : صعوبة التيقن من درجة نقص السمع عند الأطفال صغيري السن جدا، شروط التطور التشريحي لأجواف الأذن الوسطى لديهم. وبشكل عام نقول إن أبكر عمر يمكن اقتراح زرع القوقعة فيه هو عمر السنتين ، ولكن بعض المراكز العالمية أجرت عمليات زرع في عمر أبكر ( ستة اشهر) في بعض الحالات الاستثنائية كما في نقص السمع العميق التالي لالتهاب السحايا وذلك خوفا من حدوث تكلس تال لالتهاب السحايا مما يقلل من نتائج العمل الجراحي ويزيده صعوبة . اما في الإصابات المكتسبة فيمكن اقتراح زرع القوقعة بعد فترة انتظار في حدود ستة اشهر للتأكد من ثبات الإصابة. ملحوظة هامة : يجب أن نعلم أن التنبيهات السمعية التي تقوم الأذن بإيصالها إلى الدماغ هي المسؤولة عن نضج المراكز السمعية الدماغية . وبالتالي فإن عدم تلقي الدماغ لهذه التنبيهات عند الأطفال بسبب إصابة بنقص سمع شديد يؤدي إلى عدم نضج للمراكز السمعية. ومن هنا كانت ضرورة التدخل المبكر بالتأهيل ووضع المعينة السمعية أو باجراء زرع القوقعة ، وذلك حفاظا على التطور الطبيعي للمناطق السمعية الدماغية. ماهو مخطط الدراسة المتوجب إجراؤها لمعرفة المرشحين لزرع القوقعة؟ تتضمن هذه الدراسة النقاط التالية : - الاستجواب الدقيق للمريض والأهل : تاريخ حدوث نقص السمع ، تطوره ، درجة تطور النطق ، المعينات السمعية ، التأهيل ، التطور الروحي الحركي ، الوضع النفسي ، الأمراض العامة ، القدرة البصرية ( قراءة الشفاه ) ، السوابق العائلية . - دراسة السمع وتشمل : تخطيط السمع بالنغمة الصافية ، اختبار تمييز الكلام مع وبدون معينات سمعية،المعاوقة السمعية ومنعكس الركابة، البث الصوتي الأذني OEA، الكمونات المحرضة السمعية ABR. - اختبار تنبيه ألياف العصب السمعي لمعرفة درجة سلامتها . - دراسة لمستوى النطق من قبل اختصاصي في هذا الفن ، وذلك لمعرفة درجة تطور النطق، قراءة الشفاه ، لغة الإشارة . - دراسة نفسية اجتماعية للمريض وعائلته . - دراسة للوضع المادي للمريض وعائلته . - التحقق من وجود الدافع القوي والحماس في العائلة لمتابعة التأهيل الطويل التالي . - دراسة شعاعية لعظم الصخرة. - إجراء فترة اختبار بوضع المعينات السمعية وإخضاع المريض لتأهيل مناسب لمدة ستة أشهر على الأقل ، ثم تقييم درجة استفادته من هذا الإجراء. ماهي أشكال الجهاز المزروع ؟ وماهي قطعه الرئيسية؟ تقسم الأجهزة بشكل عام إلى: - أجهزة داخل القوقعة : حيث تدخل الالكترودات( المساري) إلى داخل القوقعة عبر النافذة المدورة . وهي الأكثر فعالية. - أجهزة خارج القوقعة : تطبق الالكترودات على سطح العظم المسمى( الخرشوم ) دون أن تدخل إلى داخل القوقعة . فعاليتها محدودة ، ومتناقصة مع الزمن . أسعارها أقل كثيرا من السابقة . - أجهزة وحيدة القناة : وهي تحوي مسرى كهربائيا واحدا . قليلة الفعالية. - أجهزة عديدة الأقنية : عدد مختلف حسب الشركات المصنعة . وهي الأكثر فعالية. الجهاز المثالي حاليا هو عديد الأقنية داخل القوقعة . أما القطع الرئيسية التي يتألف منها الجهاز ، فهناك القطعة الداخلية التي توضع جراحيا في حفرة في عظم الخشاء، وهذه القطعة لها نهاية تحمل المساري تدخل إلى القوقعة عبرالنافذة المدورة . وهناك قطعة خارجية تتألف من ميكروفون يوضع خلف الأذن يلتقط الأصوات ويرسلها إلى جهاز جيبي ( يوضع في الجيب ) أو إلى جهاز خلف الأذن ، وهو يقوم بتحليل الأصوات وتحويلها إلى إشارة كهربائية مرموزة تنتقل إلى قطعة أخرى توضع على سطح عظم الخشاء وتتثبت بمجال مغناطيسي مع القطعة الداخلية المذكورة سابقا . هل الجهاز المزروع غالي الثمن؟ الحقيقة أن ثمن الجهاز يشكل العقبة الأساسية في طريق انتشار زرع القوقعة . وعند حساب التكاليف لا بد من الأخذ بعين الاعتبار : ثمن الجهاز+ أجور العمل الجراحي والاستشفاء + التأهيل طويل الأمد الذي قد يصل إلى سنوات ، ومايستلزم ذلك احيانا من تغيير لمنطقة السكن وتعطل عن العمل وأجور للتنقلات . وسطيا ثمن الجهاز عديد الأقنية يتراوح بين عشرين وثلاثين ألف دولار. أما وحيد الأقنية( ويكاد يندثر من الأسواق) فثمنه في حدود السبعة آلاف دولار. ماهي الامكانيات المتوفرة في الدول العربية ؟ يلاحظ حدوث تطور مستمر في هذا المجال في الدول العربية . والمشاكل الأساسية تتبدى في : غلاء السعر ، عدم توفر مراكز التأهيل بشكل منتشر في كل بلد مما يؤدي إلى حدوث تغيرات كبيرة على المستوى العائلي والمادي والمهني . ماهي النتائج على المدى البعيد ؟ وسنبحث عدة نقاط في هذا السياق: - إن زرع القوقعة هو محاولة جادة للتعويض الجزئي عن السمع المفقود، لذا يجب أن لاننتظر نتائج باهرة معتقدين أن الطفل الأصم سيتحول إلى صاحب سمع طبيعي . إن الزرع سيقدم لصاحبه محاولة جديدة لدخول عالم الأصوات بعد أن فشلت الوسائل الأخرى المعتادة . - كما ذكرنا سابقا فإن الحصول على نتائج جيدة سواء في مجال السمع أو النطق يعتمد ( بعد العمل الجراحي المتقن باليد الخبيرة) على التأهيل ، والذي يجب أن يستمر لفترة تطول أو تقصر وذلك حسب عمر المريض ، سن حدوث الإصابة ، الزمن المنقضي منذ حدوث الإصابة ، درجة تطور النطق. وقد تصل فترة التأهيل إلى سنوات عديدة. أما اجراء العمل الجراحي وإهمال التأهيل فليس له من نتيجة سوى التعرض لعمل جراحي وأعباء مادية مرهقة، ولن نصل إلى أية نتيجة إيجابية من ناحيتي السمعوالنطق . - يجب أن نأخذ بعين الاعتبار عند تأهيل هذه الحالات التطور الطبيعي للنطق عند الأطفال الطبيعيين ، فهؤلاء الأطفال يمضون الفترة الأولى من حياتهم في اختزان الكلمات المسموعة لتتحول فيما بعد إلى كلام بشكل تدريجي . ويجب أن تنوقع - على الأقل- التطور ذاته بعد زرع القوقعة. - أما النتائج على مستوى السمع والنطق فيمكن اختصارها بشكل عام كما يلي : إذا اعتبرنا العمل الجراحي قد تم بالشكل المطلوب وأن التأهيل تم في الشروط الممتازة فإن النتائج تختلف حسب مستوى النطق عند حدوث إصابة نقص السمع وكذلك حسب الزمن المنقضي بين حدوث الإصابة وخضوع المريض للعمل الجراحي والتأهيل . وبشكل عام كلما كان مستوى النطق عند حدوث الإصابة متطورا أكثر كانت نتائج التأهيل بعد الزرع أفضل وأوضح . في الحقيقة عن المريض بعد العمل الجراحي يصبح قادرا على سماع الأصوات وإنما بشكل مشوه وغير واضح . ووظيفة التأهيل مساعدة المريض على فهم هذه الأصوات مع دلالاتها المناسبة . وتسهل هذه العملية بوجود مخزون سابق من الكلمات . لذا يعطي التأهيل نتائج ممتازة في إصابات نقص السمع المكتسبة المتأخرة بسبب إمكانية المقارنة بين الأصوات الجديدة والمخزونات القديمة . أما على مستوى النطق فإن صوت الأصم يصبح بعد إجراء الزرع مراقب الشدة فلا يتكلم وهو يصرخ كما هو الحال عادة عند أصحاب نقص السمع الشديد. كما أنه يصل بعد فترة من التأهيل إلى نطق يماثل مايتكلم به شخص لديه نقص سمع متوسط الشدة . وباختصار فالتدريب الجيد بعد الزرع المتقن يوصلنا إلى نطق مقبول مما يسمح بمتابعة حياة اجتماعية نافعة . وتبقى النتائج مرهونة بعوامل كثيرة . وهكذا أكون قد قمت بمحاولة لتغطية النقاط الرئيسية في الموضوع ، وأرجو أن أكون قد وفقت إلى ذلك ،وأنا جاهز لأي سؤال أو إضافة .
د. سامر سقاأميني - أخصائي في السمعيات