خصائص النمو المعرفي عند الطفل العاجز سمعياً
خصائص النمو المعرفي عند الطفل العاجز سمعياً مما لا شك فيه أن الصمم أو ما يعٌرف عند البعض بالعجز السمعي له عدة نتائج والكل يتفق على أنها سلبية مما تحُول دون النمو السليم للطفل.لعل العامل الإهتمام المتزايد ضمن علم النفس و فروعه المختلفة لا خير دليل على ما يوله الدارسين بهذا النوع من الإعاقات خاصة منها الدراسات المعرفية التي تهتم بنمو الذكاء و باقي القدرات العليا الأخرى. ونظرا لأهمية الذكاء بالنسبة للطفل و مستقبل مكتسباته و على رئسها الأكاديمية منها سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على مميزات النمو المعرفي عند فئة الأطفال الصم،وقبل ذلك لابد من الإشارة جملة من الأسباب نراها تفسر سبب الإهتمام المتزايد بالنمو المعرفي عند هذه فئة أكثر من غيرها من فئات العجز الأخرى.و هنا لا ريب إن قلنا أن سبب الإهتمام إنما يعود بالدرجة الأولى إلى رغبة الباحثين في دراسة خصائص العلاقة الموجودة من جهة بين اللغة - التي أُتفق على أنها أعلى القدرات الرمزية عند الإنسان- و ما هو غير لفظي في عملية التواصل،و من جهة أخرى ما كل من شأنه أن يضمن في السنوات الأولى من حياة الطفل نفس وظيفة اللغة علما أن هذه الأخيرة تعد أول القدرات التي تتأثر بوجود الإعاقة السمعية.
بالإضافة إلى ما سبق الذي يطول فيه الحديث نرى أيضا أن سبب هذا الاهتمام ينحدر في حقيقة الأمر من كون الطفل العاجز سمعياً يعد محروم من ملكة اللغة،و هذا ما من شأنهِ -حسب النظرة السائدة- أن يُساعد على دراسة النمو دون عامل تأثير اللغة.طبعاً هذه النظرة لها بعدين إثنين كونها لا تدرس فقط ما ورد فيما سبق، إنما قد تقود إلى استخلاص دور و تأثير اللغة في مسار العام للنمو و كذا مسار النمو المعرفي خاصة إذا ما أخذنا بعين الأعتبار أن مسار النمو يسير في إتجاه موحد رغم اختلاف أشكال النمو و نقصد بذلك النمو العاطفي و النمو النفسو جسيمي و ما إلى ذلك تماماً كما هو الحال بالنسبة لنمو اللغوي حيث يشهد كل شكل مسار نمو خاص به يختلف فيه كل شكل عن الآخر لنكنه يصب في نفس الإتجاه آلا و هو المسار العام للنمو. و هنا نفتح قوسين لنذكر فيها القارئ أن يضع نصب عينه مثلا تأثير غياب اللغة على النمو النفسي و الإجتماعي و ما يخلفهُ على المسار العام و لا يختلف إثنان حينئذ إن قُلنا أن حتى النمو المعرفي يعد هو الآخر أحد أشكال و مكونات هذا المسار العام للنمو و حتما سيتأثر . و نظراً لأهمية هذا العنصر الأخير في مقامنا هذا ألا و هو النمو المعرفي عند الأطفال العاجزين سمعيا نرى أنهُ من الضروري أن ننطلق من المسلمة القائلة بأن الطفل العاجز سمعياً يتبع في نموهِ المعرفي نفس المراحل التي جاءت بها النظرية التكوينية و ذلك كما توصلت إليهِ دراساتDabsyshire (1986) التي أكدت على أن الطفل الأصم يتبع بطريقة أكثر بطيئة نفس الفترات التطورية التي أشار إليها J.Piaget .و لعل أهم شيء توصلت إليه العديد من الدراسات التي حذت حذو هذه الأخيرة خاصة منها التي حاولت البحث قي صميم هذه القضية.و التي نجدها قد خلصت إلى معطيات أهمها أن الطفل العاجز سمعياً يتبع نفس المراحل التطورية التي يتبعها الطفل السليم سعيا.لكن هناك ثمة ما يُميزهُ عن هذا الأخير.من أهم هذه الخصائص و المميزات نجد تلك التي أشار إليها M.Bartin (1979) حيث يرى هذا الأخير أن الإختلاف بين الفئتين لا يكّمن في مستوى طبيعة البنية إنما على مستوى توظيف هذه الأخيرة .طبعاً في هذه الحالة يقصد بالتوظيف هو تلك الكيفية التي يعتمدها الطفل في حل مشكلة أو تسير تبادل و نُشير هنا أن بالنسبة للتوظيف الخاص بالطفل العاجز سمعياً هنالك العديد من يُشير أن هذا الأخير يعتمد فيها أساساً على المظاهر الشكليةAspect figuratifs ،بما أنهُ يعتمد ويبقى أسير المداعبة العفوية و التقليد و لمدة طويلة مما يُسبب له هذا التأخر . و لكن الملفت للإنتباه في كل هذا أن تأخر للأطفال العاجزين سمعياً يُحيلهُ نفس الباحث إلى فقر التعزيزات المقدمة من طرف المحيط حيث يذكر قائلاً […تأخر الأطفال لا يرتبط فقط بغياب اللغة الشفوية ، و لكنهُ يرتبط أكثر بالفقر المسيطر على النمو و كذا قلّة الخبرة التي يقدمها المحيط العاجز …] . وعليهِ فإن الخلاصة التي يمكن نصل إليها من كُل هذا أنهُ لا يمكن القول بأن سبب تفضيل الأطفال العاجزين سمعياً للمؤشرات الشكلية في تعاملهم مع الوسط الخارجي تعود فقط لغياب اللغة إنما هناك عوامل أخرى من بينها ما يقدمه المحيط و يُوفره للطفل العاجز سمعيا ( الأصم ) .
أضف إلى ذلك أن الطفل العاجز سمعياً يُظهر إلى جانب ما سبق ذكرهُ صعوبة خاصة إن دّلت على شيء إنما تدل بالفعل على وجود صعوبة من نوع خاص تربطها علاقة بالجانب المعرفي ، هذه الصعوبة نرها تتمثل في عدم قدرتهِ على توقع العواقب إلا عند بلوغهِ سن متقدم،و هذا مما يعني أنهُ يبقى لفترة طويلة أسير المؤشرات المدركة مقارنة مع الطفل السليم سمعياً ، و هنا نؤكد أن استبعاد دور اللغة لا يعني أننا نقلل من أهمية تأثير التبادلات اللغوية إنما نعتقد أنهُ لا يمكن أن يكون غياب اللغة وحدهُ عاملاً رئيسياً للتأخر .لأنهُ من جهة حسب النتائج المتوصل إليها من طرف M.Bartin إن اللغة الشفوية لا تلعب دور(كبير) في تكوين البنيات التفكير … ، و من جهة أخرى أن الأطفال العاجزين سمعياً غالباً ما يتمركزون في المرحلة الثانية من مراحل نمو الاحتفاظ ( la conservation ) معتمدين في ذلك على المظاهر الإدراكـيـة للأشياء .و عليهِ فإن ما يمكن أن نقولهُ أو بالأحرى نؤكدهُ هو أن عامل غياب اللغة لا يتحمل وحدهُ سبب التأخر الملاحظ عند الطفل المصاب بالعجز السمعي إنما هناك أسباب أخرى قد يكون لها دور أكبر بكثير مقارنةً باللغة في مســـــــار النمو المعرفي، و هنا نشير على سبيل المثال إلى ما أكـــــــدتهُ دراســـــات Furth (1987) في هذا الصدد، أن الأطفال العاجزين سمعياً يتشابهون مع فئة الأطفال المنحدرين من وسط إجتماعي و ثقافي ميسور بقولهِ أن مجموعة الأخيرة تحصلت على نتائج متشابهة إلى حد بعيد مع مجموعة الأطفال العاجزين سمعياً (...) إذا كانت ثقافة و كيفيات الحياة لا تغذي بإستمرار أو على الأقل لا تشجع العادات الفكرية سيكون احتمال ظهور الذكاء المنطقي ضئيل جداً …] . و عليه بعد أن اطلعنا على جملة من الآراء التي أردنا من خلالها إبراز المميزات و الخصائص العامة التي يتميز بها نمو الذكاء ( الحسي الحركي و كذا الذكاء التمثيلي) و ما يعكسهُ من قدرة على التوظيف المعرفي عند الطفل الأصم ،نعتقد أنهُ أصبح بإمكان للقارئ في ختام هذا المقال ان يبني فكرة عامة عن النمو المعرفي و متطلباته عند الطفل الأصم .