التوحد والتخلف الفكري
قد يتقبل الناس بطريقة أو بأخرى الفروق الفردية في الصفات مثل اللون والطول وغيرها ، وقد يتقبلون وجود بعض العاهات الجسدية كالعمى مثلاً ، ولكن هناك صعوبة في تقبل النقص في القدرات العقلية خصوصاً من قبل الوالدين ، فيكون هناك شعور بتأنيب الضمير ، وأنهم ربما يكونون مسئولين بشكل أو بآخر عن إصابة طفلهم ، وهذا الشعور يؤدي في البداية إلى محاولة تجاهل المشكلة ونكران وجودها ، مما يؤدي إلى تأخرهم في طلب المساعدة الطبية اللازمة لتشخيصها وعلاجها، وبذلك يحرمان الطفل من العلاج في مرحلة مبكرة ، مما قد يوفر الكثير من الجهد عليهم ويؤدي إلى نتائج جيدة توفر للطفل حياة أرحب وتفاعل أفضل مع المجتمع. هل لدي الأطفال التوحديين تخلف فكري؟ لا يمكن التعميم في هذا المجال، كما أن صعوبة تقييم الذكاء يكون حاجزاً لرسم صورة كاملة، ولقد لوحظ أن ثلثي هؤلاء الأطفال تكون درجة الذكاء دون المتوسط ( أقل من 70 )، ولقد لوحظ إنخفاض التقييم عندما تكون الأسئلة لفظية، وتكون أفضل عندما تكون غير لفظية، ودرجة الذكاء عادة لا تكون مرتبطة بدرجة التفاعل الإجتماعي. في الجزء التالي سأقوم بالشرح عن التخلف الفكري بصفة عامة ، ومن جميع النواحي ، ثم بعد ذلك سأتطرق للذكاء ودرجاته في حالة الأطفال التوحديين. وهنا يجب التنبيه أن قياس الذكاء بصفة عامة صعب التطبيق ، ويزداد صعوبة في التوحد ، كما أن معرفة درجة الذكاء لا قيمة لها في المتابعة والعلاج. ما هو التخلف الفكري أو البـــــلادة ؟ هناك خلط في المفاهيم لدى أغلب الناس بين التخلف الفكري والمرض العقلي ، ففي حالة المرض العقلي المسمى أحيانا بالجنون ، يولد الطفل وتنمو قواه العقلية وذكاءه بطريقة طبيعية غالباً، ولكن لوجود عوامل وأسباب عديدة تؤثر على قواه العقلية تصبح تصرفاته غريبة وغير مقبولة من المجتمع ، وقد يكون ضاراً لنفسه وللآخرين لدرجة تمنعه من العيش معهم. أما التخلف الفكري فهو القصور والتوقف عن اكتساب المهارات الفردية ، مما يؤدي إلى قصور ونقص في القدرات الذهنية مقارنة بالأطفال في نفس العمر ونفس المجتمع ، وأحياناً يكون هناك قصور في إحدى الحواس ( السمع ، البصر ، النطق ) أو مشاكل سلوكية مما يؤدي إلى إظهار نقص القدرات الفردية ، مع عدم وجود تخلف فكري ، فيجب الانتباه لذلك. كيف نقيس التخلف والذكاء ؟ إذا أخذنا مجموعة كبيرة من الناس في مرحلة عمرية معينة ، وأجرينا عليهم التجارب والاختبارات الخاصة بالذكاء ، فسنجد أن هناك تفاوتاً كبيراً في المقدرات الذهنية ، فمنهم النوابغ وهم قلة ، ومنهم البلهاء وهم قلة، أما معظمهم فسنجدهم بين هؤلاء وأولئك . كذلك إذا نظرنا إلى المتخلفين فكرياً ، وجدنا بينهم فروقاً شاسعة ، فمنهم شديد التخلف ومنهم من قد لا يظهر عليه أي علامات إلا بإجراء الفحوصات والاختبارات الخاصة ، وتكمن أهمية معرفة مقدار التخلف في محاولة العاملين في المجال الطبي لعلاج تلك الحالات ومساعدتها سواء بالتدريب أو التعليم ، لكي يتمكنوا من الاستمتاع بالحياة. التشخيص : تشخيص الأطفال ذوي الإحتياجات الخاصة وحالات الإعاقة الفكرية معقدة وتحتاج إلى التركيز على مجموعة من الخصائص والمقاييس ، يقوّم كلاً منها متخصص في مجاله ، وهي تختلف من مجتمع لآخر ، ومن عمر لآخر ، ومن أهمها: - التشخيص الطبي ( قصة المرض ، الحالة العائلية ، الكشف الطبي السريري ، الخ ) - القياس النفسي ( قياس القدرات العقلية ) - مقياس السلوك التكيفي ( الإجتماعي) - مقياس المهارات التحصيلية ( القراءة ، الكتابة ، اللغة )
التعريف القياسي النفسي Psychometric definition يعتمد تشخيص التخلف الفكري على الوالدين ومن يقوم برعاية الطفل ، فملاحظتهم اليومية هي الطريق إلى التشخيص ، ولكن يجب أن نكون حذرين قبل أي تشخيص ، فهناك عوامل مؤثرة تنقص القدرات مما يعطي الإحساس بالتخلف كنقص إحدى الحواس ( السمع ، البصر، النطق ، الحركة ) وكذلك العوامل النفسية كأن يكون الطفل محروماً ومنبوذاً من والديه ، أو ينشأ في مؤسسة خاصة ، فملاحظة الوالدين لمقدرات الطفل الحركية وتعامله مع الآخرين وسلوكه اليومي مهم جداً ، ولكل مرحلة عمرية سلوكياتها وحركاتها ، تعطي الطبيب مؤشرات مهمة عـن المقدرات الفكرية لهذا الطفل ، ومن ثم يقوم أخصائي الأطفال ببعض الاختبارات التي تساعد على معرفة القدرات مثل : اختبار دنفر في السنوات الأولى من الحياة Denver Development Screening Test للأطفال فوق سن الرابعة الاختبارات التالية : - Beyley scale of infant development, - Stanford - Binet intelligence scale or - Wechsler intelligence scale اختبارات الذكاء غير دقيقة في تحديد مستوى الذكاء ولكن تعطي صورة تقريبية التعريف الإجتماعي للتخلف الفكري : المقياس النفسي يتأثر بالعوامل الاجتماعية والثقافية والعرقية ، ويركز التعريف الاجتماعي على مدى نجاح أو فشل الفرد في الاستجابة للمتطلبات الاجتماعية المتوقعة منه مقارنة بنظرائه وهو ما يعبر عنه بمصطلح السلوك التكيف Adaptive behavior ما هي درجات التخلف والذكاء ؟ التقسيم المتعارف عليه في درجات التخلف والذكاء يعتمد على مقياس معامل الذكاء (Intelligence Quition) الذي يمكن قياسه باختبارات خاصة لكل مرحلة عمريه ، ويمكن توزيع الأفراد بعد إجراء الاختبارات إلى : - الأذكياء معامل الذكاء 110-140 وهم قلة - العاديين معامل الذكاء 90 -110 وهم الأغلبية - تحت الطبيعي معامل الذكاء 70-90 ليسوا متخلفين فكرياً ولكن دائماً متخلفون دراسيا - الإعاقة العقلية البسيطة 55 معامل الذكاء -70 القابلون للتعلم (الذكاء العمري من 6 - 10 سنوات - الإعاقة العقلية المتوسطة معامل الذكاء 40- 55القابلون للتدريب ( الذكاء العمري 2 - 6 سنوات ) - الإعاقة العقلية الشديدة معامل الذكاء 25-40 ( الذكاء العمري أقل من سنتين ) - الإعاقة العقلية الشديدة والإعتمادية معامل الذكاء أقل من 25 الخصائص السلوكية للمعوقين فكرياً : هي نقاط المقارنة بين الأطفال العاديين والمتخلفين فكرياً ، وقد تنطبق هذه الخصائص على بعض الأطفال ، وليس على العض الآخر ، ومنها : - التعلم : نقص القدرة على التعلم مع الأطفال العاديين ، أو على التعلم من تلقاء أنفسهم - الإنتباه : فكلما نقصت درجة الذكاء ، كلما قلت درجة الإنتباه - الذاكرة : فكلما نقصت درجة الذكاء ، كلما قلت درجة التذكر ، وهي مشكلة تعليمية - اللغة : فكلما نقصت درجة الذكاء ، كلما زادت مشاكل النطق والمشاكل اللغوية ، لإختلاف النمو اللغوي ما هي مظاهر التخلف الفكري ؟ عندما يكون التخلف الفكري شديداً ، فإنه يظهر في السنة الأولى من العمر، أما البسيط فقد لا يلاحظ ، والمتوسط يظهر بين السنة الأولى والثالثة من العمر ، عندما يتوقع ظهور بعض المهارات الفردية في ذلك السن . فالطفل المتخلف سلبي لا يتجاوب مع الآخرين ، بطئ التعلم وخصوصا الكلام ، ضعيف الحركة، ضعيف الذاكرة ، ينام كثيراً ، لا يتعرف على الناس والأشياء بسهولة ، قد يعرف بعض الأشياء والأسماء ولكن لا يعرف إستعمالها ، ولا يستطيع الربط بين الكلمات . وكلما كان عمر الطفل أكبر كلما كان الحكم على تخلفه من عدمه أسهل ، ولكن هذا الانتظار ليس في مصلحة الطفل ، فالتدريب والتعليم الخاص مهم جدا ، وبعض الأطفال لا يمكن معرفة حالاتهم إلا بعد دخول المدرسة وتخلفهم عن أقرانهم وتكرار رسوبهم. الذكاء وطيف التوحد : الأطفال الذين لديهم إضطرابات التطور العامة غير المحددة ( PDD-NOS) يجرون بنجاح إختبارات الذكاء التي تحتاج إلى إستخدام البصر واليدين أو الذاكرة القريبة ولكنهم يكونون سيئين في الأشياء التي بها تفكير أو لها رموز منطقية ، فهناك إضطراب في عملية التعليم والتفكير، وخصوصاً في مواضيع المحاكاة والتقليد مثل المحادثة والإشارة ، المرونة والإبداعية، تعلم القوانين وتطبيقها، وإستخدام المعلومات المكتسبة، والقليل منهم تكون لديه ذاكرة قوية ومهارات خاصة في الموسيقى والحساب والرياضيات. وبما أن الكثير من هؤلاء الأطفال يفتقدون الكلام المتزن الطبيعي فإن بعض المختصين يشك في القدرة على تطبيق إختبارات الذكاء عليهم والتأكيد على مدى صحتها، فلقد لوحظ أن عدداً منهم أثبتوا تحسنهم في مجالات أخرى بعد متابعتهم بدون تغير درجة الذكاء لديهم، لذلك يعتقد البعض بإستمرار درجة التخلف مدى الحياة، والأطفال الذين لديهم تخلف شديد يكون إضطراب العلاقات الاجتماعية لديهم شديد، ويظهر لديهم رد فعل اجتماعي غير عادي مثل اللمس، شمّ الأشخاص، حركات نمطية، أو إيذاء النفس . التوحد والتخلف الفكري أثبتت الدراسات أن التخلف الفكري أحدى صفات المصابين بالتوحد ولكن على درجات مختلفة ، فقد يكون تخلفاً بسيطاً ( وهو الغالب ) أو قد يكون شديداً ، ويلاحظ أن هناك عوامل لدي الطفل تعطي انطباعاً بأن التخلف أشد من الحقيقي ، فعدم التفاعل مع المجتمع يفقدة القدرة على الإكتساب المعرفي ، كما أن الإضطرابات اللغوية تفقده نقاط التعبير، ومع ذلك فقد ندهش لمقدرة هؤلاء الأطفال التوحديين ، فبعضهم يتميز بمهارات خاصة تدهش من حوله فيعتقدون بذكائه ، وانه طبيعي ولكن ينقصه التعليم والتدريب ، ومن أهم الملاحظات : - عدم المقدرة على القيام ببعض الألعاب البسيطة مثل لعب كرة القدم وركوب الدرّاجة - قدرة جيدة على تركيب المكعبات - قدرة هائلة على الرسم من الطبيعة هل يمكن قياس الذكاء لدى الأطفال التوحديين؟ كان الإعتقاد السائد بعدم القدرة على قياس الذكاء بسبب الحركة الزائدة وعدم التركيز ، كما عدم التواصل مع الآخرين، ولكن العاملين في مجال رعاية هؤلاء الأطفال يستطيعون القياس من خلال اجراء الاختبارات التي يتمكنون من إكمالها، كما من الملاحظة. ما الفرق بين المتخلف فكرياً والمتوحد ؟ المتخلف فكريا : عادة ما يكون لديه نقص عام في كل المقدرات ، وقد يكون هناك بعض العلامات الجسمية الدالة على التخلف. التوحد : التوحديون عادة ما يقعون في مجال التخلف الفكري ، كما أن مقدراتهم تتشابه ، وعادة ما يكون لديهم نقص متفاوت في المقدرات ، وليس هناك أي علامات جسمية. طفلي قادر على أداء الواجبات المدرسية ، ماذا يدل عليه ؟ يستطيع الطفل المتوحد على أداء بعض الفروض المدرسية ، معتمداً على مقدار الدوافع والمقدرة على التركيز والانتباه ، وتلك المقدرات تختلف من شخص لآخر ، لذلك يجب عدم الطلب منهم فوق قدراتهم ، كما أن بعض الأطفال التوحديون قادرين على الدراسة مع أقرانهم ، بل التفوق عليهم . التوحد والقدرات الخارقة: بعض الأطفال التوحديين يوجد لديهم قدرة خاصة في أحدى المجالات، ليس لها ارتباط بدرجة الذكاء، ولكن لها ارتباط مع التوحد لم يعرف كنهه حتى الآن، ولكنها ليست موجودة لدى الجميع، ومن أمثلة ذلك : - قدرة الرسم : حيث يقوم الطفل برسم ممتاز بعد نظرة واحدة، ولكن لوحظ أن رسم الموضوع يتكرر بزوايا متنوعة أكثر من تغيير الموضوع نفسه. - القدرة الموسيقية : حيث يقوم الطفل بعزف قطعة موسيقية بعد سماعها لمرة واحدة وبدقة متناهية - قدرة الحفظ : لدى البعض القدرة على الحفظ وخصوصاً الدعايات التلفزيونية بشكل دقيق - قدرة الحساب : يستطيع البعض القيام بحفظ العديد من الأرقام كما إجراء العمليات الحسابية بسهولة
Comments