التوحد والتطعيم
بين الفينة والأخرى تطالعنا الصحف المحلية نقلاً عن الصحف الأجنبية بعنوان مثير وبخط عريض : تحصين الأطفال ضد الأمراض قد يصيبهم بالسكري المعتمد على الأنسولين التطعيم الثلاثي هو السبب في حدوث " التوحد " ولخطورة الموضوع وأهميته وانعكاساته الخطيرة على المجتمع، وعدم رد الجهات المسئولة، أكتب هذا عن هذا الموضوع لتوضيح الصورة، وقد أطيل فأعذروني. هذا الخبر المثير والذي نشر بحسن نية يهدم الكثير والكثير من الجهود التي قامت بها الدولة من برامج توعوية وأسابيع إرشادية لأهمية التطعيم خلال عقود من الزمن عديدة ، قد تأتي مقالة بسيطة لتهدم هذا البناء في غفلة من الزمن ، ومن العجب العجاب أن يتزامن هذا الخبر مع الحملة الوطنية السادسة للقضاء على شلل الأطفال ( مع العلم أن هذه المقالة و أمثالها منشورة منذ عدة أشهر )، وللمعلومية فإنه مع نهاية الحملة السابعة ستحصل المملكة على شهادة من منظمة الصحة العالمية بخلوها من شلل الأطفال ، وكأحد البلدان الرائدة في هذا المجال ، فما أعجب تلك الصدف. العنوان مثير وكبير، ولقد عودتنا الصحف بالكتابة عن مواضيع طبية متعددة ، في الغالب نقلاً عن صحف أجنبية ، ويكون الخبر كأي خبر آخر بدون رقابة من متخصصين على صحة الخبر وتأثيره على المجتمع، والعنوان المثير مهم في الصحافة ، ولكن هل تتحول صحافتنا إلى أحد صحف التابلويد ؟ وحتى بعض المنتديات !
تتحول إلى ساحة للتفاخر بالإطلاع على معلومات جديدة ( مع الشكر على الإهتمام والمتابعة بمن يقومون بالكتابة، فمن لا يشارك في الحوار فلا خير فيه، ولا أمل يرجى منه، ومن لم يفكر فلن يفكر الآخرون عنـه ) ولكن هذه المقالة وشبيهاتها .. موجهة إلى عموم القراء بمختلف درجات ثقافاتهم ، ولقياس نسبة الأمية الثقافية غي أحد البلدان نحتاج إلى معرفة نسبة رواد المكتبات وليس قراء الصفحات الرياضية
، وهنا يكون السؤال هل تستطيعون قياس ومعرفة رد فعل القارئ البسيط والذي غالباً لا يكمل المقالة عند قرائتة لعنوان كبير بهذا الحجم، وفي جريدته التي يحترمها ويعلم ابتعادها عن الإثارة والإبهار. هل تم تطبيق التطعيمات بتلك السهولة ؟ التطعيم هو المسمى الآخر للتحصين ، وهو أحد الركائز الأساسية للطب الوقائي ، ولم يتم تطبيق التطعيمات إلاً بعد دراسات مستفيضة ، وليس أدل على أهميته من صدور الأمر الملكي السامي بعدم إعطاء أي طفل شهادة الميلاد إلاً بعد الانتهاء من إعطاء التطعيمات ، هذا الأمر الملكي السامي لم يأتي من فراغ ولكن بعد استشارة من منظمة الصحة العالمية والعديد من الخبراء في الداخل والخارج ، وبهذا المرسوم استطاعت الدولة من القيام برفع نسبة التطعيمات إلى درجة عالية كما القضاء على الكثير من تلك الأمراض ، ومع هذا النجاح قامت الكثير من الدول بتطبيق النمط السعودي ، وتلك مفخرة لنا والحمد لله. لماذا نعطي أطفالنا التطعيمات ؟ سؤال مهم ، وهو ركيزة حملات التوعية المستمرة، فالوقاية خير من العلاج ، فالتطعيمات أمصال صنعت بطريقة معينة، غير ضارة للإنسان ، وعند إعطائها للطفل فإنها تقوم بتحفيز الجسم لصنع المضادات الجسمية الداخلية ضد هذا المرض أو ذاك ، وعند حدوث العدوى من مريض فإن هذه المضادات تكون جاهزة للقضاء عليه وعدم حدوث الأعراض المرضية، وبذلك نتجنب المرض وأعراضه وكذلك المضاعفات المرضية له. هل التطعيم مأمون وغير ضار ؟ قبل القيام بالتصريح لأحد التطعيمات يتم أختباره على حيوانات التجارب لمدة طويلة ، كما تتم تجربته على الإنسان لمعرفة الموانع والجوانب السيئة له، وحتى بعد الحصول على التصريح فإن هناك متابعة مستمرة لأي أعراض جانبية أو معوقات لنتائجه، وقد تكون هناك تأثيرات نادرة جداً جداً وبنسبة ضئيلة جداً اقر العلماء والمختصين أنها لا تشكل عائقاً ، ومع الأعداد الضخمة جداً وبالملايين من التطعيمات حول العالم لم تظهر أعراض جانبية تذكر. وتطعيم الثلاثي أعطي شهادة بسلامته وعدم تسببه بالتوحد من منظمة الصحة العالمية، فمن نصـدق ؟ ماذا عن مقالة التطعيم الثلاثي والتوحد ؟ تلك ليست جديدة على العاملين في المجال الطبي ، وما يعرفه المتخصصين عن ما كتب عن التطعيمات وعلاقتها ببعض الأمراض الكثير ، وليس أدل على ذلك مما ألقي في مؤتمر العلمي للأمراض المعدية لعام 2000 م ، فالكثير من الأمراض ومنها التوحد وسكري الأطفال لا تعرف بالضبط مسبباته ، لذلك عكف العلماء على أجراء الكثير من البحوث هنا وهناك ، ومن يقوم ببحث ودراسة يرغب في إخراجها للنور وإن لم تكن أركانها قد أكتملت ، وعائلات الأطفال المصابين ببعض الأمراض المزمنة يبحثون عن بصيص أمل في العثور على المسببات لتكون طريقاً لمعرفة العلاج الذي يريحهم ويريح طفلهم من عذاباته ، لذلك تنتشر هذه النوعية من المقالات التي تدغدغ أحاسيسهم ، مع العلم بوجود إجابات وتفنيد لهذه الأبحاث والدراسات التي نشرت ، وفي الدول المتقدمة تقدم الجمعيات المتخصصة في الأمراض المزمنة ( الربو ، سكري الأطفال ، التوحد ، الإعاقة بكل أنواعها) كمية جيدة من المعلومات عن المرض ومسبباته وطرق علاجه ، كما تقدم الدعم المعنوي والمادي ، ومن صور الدعم والترابط وجود نشرات ومجلات دورية موجهة لتلك العائلات ، ومما يكتب فيها ما يجري من بحوث ودراسات ، وهنا نتحدث عن مجموعة ثقافية متميزة، يوجد لديها المادة الغذائية الكافية والمتنوعة ، وتكون هذه النوعية من المقالات جزء من الرفاهية التي يعيشون فيها. ولكن في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج لا تجد الكتاب الطبي الموجه للعائلة باللغة العربية، والعاملين في المجال الطبي والتوعوي يدركون ذلك لعدة أسباب من أهمها الأمية الثقافية وإنخفاض دخل الفرد ، كما عدم فعالية الكثير من الجمعيات الخيرية وعدم وجود رابطة تجمع عائلات المرضى بأمراض مزمنة لتقوم بالعمل الفاعل. شكر لمن يرفع راية التوعية عن التوحد: لا بد من إبداء الشكر والتقدير لبعض الصحف التي قامت بدعم حملة التوعية عن " التوحد " ، المرض الغامض ، وكذلك من أجل إيجاد ملاذ تعليمي وتدريبي لتلك الفئة من أبناء الوطن الذين تاهوا بين المؤسسات كمثل " كرة قدم " غير مرغوب فيها يتقاذفها الجميع بعيداً عنهم ، في بلد تؤمن قيادته " أن الإنسان هو الثروة الحقيقة الدائمة في البلاد " ، كما الشكر لبعض عائلات أطفال التوحد ، لما يقومون به من جهود جبارة للتوعية عن التوحد، ومتابعة ما يجرى ويكتب عنه في الدوريات المتخصصة عن التوحد، والكتابة عن الموضوع في محاولة لنشر الثقافة عن هذه الحالة. علاقة التوحد بالتطعيم الثلاثي البكتيري : موضوع تم نشرة وتلقفته أيادي عائلات الأطفال التوحديون بقوة في أوروبا وأمريكا بحثاً عن بصيص أمل لمسببات التوحد ، ويمكن الرجوع إلى Taylor et al. 1999 وهي دراسة موثقة عن عدم وجود علاقة بين التطعيم الثلاثي والتوحد ، وفيه تم فيه الرد الكامل باللغة الإنجليزية على بحث الدكتور واكفيلد مع توضيح نقاط الضعف في هذه الدراسة وعدم تطابقها مع الدراسات العلمية البحثية ، كما أريد توضيح أن التطعيم الثلاثي قد حمل الكثير ومنها أنه يسبب تأثيرات عصبية متنوعة وقد أثبتت دراسات مللر Miller et al. 1997 عدم صحتها. التطعيم خطاً أحمر يجب عدم تجاوزه: في النهاية لابد من التذكير مرات ومرات أن التطعيم خيار لا بد منه لدرء المرض وأعراضه الجانبية ، وأن التشكيك في التطعيم يؤدي إلى عواقب وخيمة على المجتمع ، وأن ما يجري بين الأطباء والباحثين من دراسات وبحوث تحتاج إلى تقييمهم ، ونشر هذه البحوث في أمريكا ولفئة معينة لا تعني بالضرورة صلاحية نشرها في الوطن العربي ، فالمواطن العربي جائع للمعلومة الصحيحة النافعة التي تساعده على تخطي العقبات التي يواجهها من أجل رعاية طفله، ولم نصل إلى مرحلة الرفاهية لتقديم الكافيار مع عدم وجود الخبز ، فرفقاً بالقوارير ، وخافوا الله في ما تكتبون ، ولتؤدي الصحافة دورها في رفع مستوى الثقافة وخصوصاً في مجال حيوي مثل التوعية الصحية ، وخصوصاً الأمراض المزمنة والإعاقات.
Comments