top of page

الدراسات العلمية تنفي أي دور للمعادن في إصابة الأطفال بالتوحد


الدراسات العلمية تنفي أي دور للمعادن في إصابة الأطفال بالتوحد

الاعتقاد العلمي أنه سبب جيني ناتج عن تغيرات وظيفية في الجهاز العصبي

الدكتور محمد سعيد الدوسري - استشاري مخ وأعصاب أطفال - مستشفى الملك فيصل التخصصي لا يعد اضطراب طيف التوحد من الاضطرابات الجديدة، حيث تم وصفه من قبل الدكتور كانرز من أمريكا في عام 1943 في أطفال متأخرين لغوياً وتواصلياً وانعزاليين ولديهم حب عدم التغيير ورمز له بالاضطراب التوحدي في التواصل العاطفي. وقد عزي هذا الاضطراب إلى خلل في العلاقة بين الطفل وأبويه. وبعد عام فقط وصف الدكتور أسبرقر في ألمانيا حالات لأطفال مشابهة ولكن ذويي قدرات أعلى مع تميز في مجالات معينة وغير معتادة لدى البعض منهم. منذ ذلك الوقت تعددت المسميات لهذا الاضطراب وقد تعددت النظريات حول أسبابه دون أي نتائج قطعية. وسنتناول هنا جانباً من تلك الفرضيات: 1- اللقاح الثلاثي الفيروسي MMR في نهاية الثمانينيات وأوائل التسعينيات لاحظ العديد من المختصين زيادة كبيرة في أعداد الأطفال المشخصين بهذا الاضطراب (شكل 1).


وتناسب مع هذه الزيادة الكبيرة في التشخيص ازدياد في النظريات والتفسيرات ليس فقط عن أسباب التوحد فحسب ولكن أيضاً عن أسباب هذه الزيادة الملحوظة في عدد الحالات المشخصة في كافة أنحاء العالم. إحدى النظريات التي وجدت قبولاً كبيراً في بداية الأمر هي نظرية علاقة اضطراب التوحد باللقاحات التي تعطى للأطفال وبخاصة اللقاح الثلاثي الفيروسي MMR. والسبب الرئيس في هذا الربط مع هذا اللقاح بالذات هو توقيت إعطائه والذي يكون مع بلوغ العام الأول من العمر وهو ما يوافق بداية التقدم في القدرات اللغوية الطبيعية وأيضاً يسبق بقليل العمر الذي يفقد فيه بعض الأطفال التوحديين تلك القدرات (يفقد بعض أطفال التوحد قدراتهم الكلامية بين 18-20 شهراً). وعلى الرغم من تعدد وفي بعض الأحيان تضارب الآراء والدراسات حول هذا الربط المفترض فإن تجربة اليابان في التسعينيات تعد أقوى وأوضح دليل على عدم وجود أي علاقة بين اللقاح واضطراب التوحد، حيث قام اليابانيون بالتوقف عن إعطاء هذا اللقاح تماماً في بداية التسعينيات الميلادية في جميع اليابان إلا أن تشخيص اضطراب التوحد لم ينخفض كما يفترض بل المفاجأة أن تشخيص هذا الاضطراب في الأطفال اليابانيين شهد زيادة كبيرة مماثلة لبقية أنحاء العالم كما هو موضح في شكل 2.

2- نظرية التسمم النظرية الأخرى التي لقيت رواجاً في مختلف أنحاء العالم وبالأخص في السنوات الأخيرة هي نظرية التسمم، وتستند هذه النظرية بالأساس على الملاحظة الثابتة والحقيقية في أن التسمم بالمعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق يسبب ضرراً بالدماغ وبالأخص الأدمغة التي في مرحلة النمو كما هو الحال عند الأطفال. وقد نشرت العديد من الأبحاث التي تتحدث عن وجود أو انعدام العلاقة بين التوحد وزيادة نسبة المعادن في الدم ولكن دون نسبة التسمم المعروفة. إلا أنه لا توجد دراسة مسحية موسعة مبني على أسس علمية تثبت وجود تلك العلاقة حتى الآن. وبالرغم من عدم وجود أي توصية بقياس نسبة المعادن الثقيلة في الأطفال المشخصين بالتوحد حسب توصيات الجمعية الأمريكية للأعصاب فإن العديد من المراكز الطبية الخاصة تروج لقياس المعادن الثقيلة وتروج أيضاً للعلاج بالأدوية الطاردة للسموم مع تكرار قياس السموم بعد استخدام هذه الأدوية، ومن المعروف أن استخدام الأدوية الطاردة للسموم سوف يزيد من تركيز المعادن في سوائل الجسم والشعر لزيادة معدل طرد هذه السموم. وقد استخدم البعض تلك الآراء التي تؤمن بوجود علاقة محتملة بالرغم من أنهم في نفس الوقت ينفون وجود دليل علمي واضح على ذلك. كما استخدم البعض دراسات وتحقيقات عملت في الولايات المتحدة وبخاصة في ولاية تكساس عن وجود علاقة، لكن ما لم يتم إيضاحه هو أن تلك الدراسات لم يتم نشرها في أي مجلة علمية متخصصة ولكنها إما نشرت في مواقع للانترنت أو في مجلات غير محكمة اطلاقاً. وقد راجت أيضاً نتائج دراسات محلية عملت على عينات صغيرة جداً لا تمكن علمياً من القيام بأي استنتاجات يمكن تعميمها على الأطفال المصابين بالتوحد ولم يتم نشرها في المجلات العلمية المحكمة بمختصين في هذا المجال. والحقيقة المجردة أننا بهذه الطريقة نعيد تكرار التجارب الصغيرة وغير العلمية التي تم عملها في كافة أنحاء العالم مع أنه لم تثبت أي دراسة علمية مقننة هذه العلاقة بل بالعكس فجميع الدراسات المنشورة في المجالات العلمية تنفي وجود أي دور للمعادن كمسبب للتوحد. من أمثلة ذلك المقالة المنشورة في المجلة الأمريكية لطب مخ الأعصاب عام 2004 والتي قامت بقياس كمية الزئبق في الدم وفي الشعر للأطفال التوحديين والأطفال الطبيعيين في هونج كونج ولم يوجد أي فارق بين المجموعتين. 3- التحسس من الأغذية : ربما النظرية الأقدم نسبياً هي علاقة التوحد بالتغذية والتحسس من بعض الأطعمة وخصوصاً مشتقات القمح والحليب. وفي هذه الحالة بالذات توجد عدة دراسات من بينها ولعله أهمها هي دراسة من فلوريدا لم تكمل إلى الآن حيث عمل الباحثون على دراسة التغييرات السلوكية والذهنية لمجموعة من أطفال التوحد الذين أخضعوا لحمية خالية من الغلوتين ومجموعة أخرى تتناول حمية مشابهة ولكن تحتوي على الغلوتين بدون معرفة الأهل أو الباحثين المقيمين للحالات عن نوع الحمية التي تستخدم للأطفال خلال مرحلة الدراسة والمتابعة، وقد تم نشر النتائج المبدئية في شهر مارس 2006 في المجلة الأمريكية لأبحاث التوحد والتي نفت وجود أي فروق ملموسة بين المجموعتين. ونحن بانتظار النتائج النهائية لتلك الدراسة. وقد تمت مراجعة جميع الدراسات المقننة في مجال التغذية وأثرها على اضطراب التوحد من قبل مجموعة كوكرين المختصة بتجميع الأدلة العلمية ونشرها، ولم يتضح من تلك المراجعة وجود أثر أكيد لنوعية التغذية على سمات طيف التوحد وإن كانت بعض الدراسات المقننة وجدت فروقاً بسيطة في النواحي السلوكية. والنصيحة الرسمية من قبل جمعية التوحد الأمريكية هي أن الحمية قد تنفع بعض الأطفال في بعض النواحي. إلا أنه ينبغي الحذر أن لا تسبب تلك الحمية أي نقص في المكونات الضرورية لغذاء الطفل وأن تكون تحت إشراف أخصائي تغذية وبشكل مؤقت لتجربة مقدار استفادة الطفل منها. ومن المعروف أن تطبيق الحمية بالذات في مجتمعنا من الصعوبة بحيث لا يجعلها خياراً واقعياً للكثير من الأهالي ولو بشكل مؤقت. 4- نقص الفيتامينات العلاج بالفيتامينات وخاصة فيتامين ب 6 لم يبحث بشكل كاف ولكن يجب التحذير من استخدام كميات عالية ولمدة طويلة من الفيتامينات نظراً لاحتمال حدوث أضرار من التسمم بنسب زائدة من الفيتامينات. 5- نقص الماغنيسيوم أخيراً فإنه توجد دراسات محدودة جداً دلت على أن نسبة عنصر الماغنيسوم قد تكون أقل في الأطفال المصابين بالتوحد ولذلك شاع استخدام كميات عالية منه في علاج أطفال التوحد إلا أنه يجب أيضاً الحذر من الاستخدام المفرط ولمدة طويلة بالذات عند عدم وجود أي تحسن ملموس ومتواصل عند الطفل المعالج. الخاتمة : وختاماً ربما يتساءل البعض، إذا لم تثبت جميع هذه النظريات والعلاجات فما هي النظرية العلمية الحالية لأسباب التوحد وما هي العلاجات المثبتة علمياً؟ ونقول: إن أسباب طيف التوحد المعروفة كثيرة منها عدم التكون الطبيعي للدماغ أو أمراض الدماغ الوراثية أو الجينية ولكن في أغلب الأطفال لا يوجد سبب معروف والاعتقاد العلمي الحالي هو وجود سبب جيني ينتج عنه تغيرات وظيفية في الموصلات الكيميائية في الجهاز العصبي المركزي في مرحلة النمو المبكر. والعلاج الوحيد الذي ثبتت جدواه بالدراسات هو التدخل المبكر قبل سن الثالثة من العمر عن طريق برنامج مقنن وخاص بالأطفال الذين يعانون من طيف التوحد. وتوجد العديد من المحاولات والنتائج الجيدة عن علاج بعض أعراض التوحد مثل النشاط المفرط وحتى تحسين القدرات التعبيرية والتواصلية باستخدام علاجات تعمل على تغيير مستويات الموصلات الكيميائية العصبية وبخاصة الموصل المعروف بالسريتونين. وتجرى حالياً أبحاث بتمويل من هيئة الدواء والغذاء الأمريكية على الأطفال الأمريكيين المصابين بطيف التوحد والنتائج المبدئية مبشرة ولكننا بانتظار النتائج النهائية. ما ينبغي التأكيد عليه مرة أخرى هو ضرورة اعطاء الطفل أكبر فرصة ليكون مستقلاً وحبذا مبدعاً في أي جانب يتبين تميزه فيه ولكن دون الدخول في متاهات ما لم تثبت جدواه وقد لا يكون آمناً مع أخذ نصيحة المختصين في هذا المجال.

Comments


الموضوعات المميزة
موضوعات أخري
علامات البحث
لا توجد علامات بعد.
من نحن
bottom of page