التوحد وطريقة توماتيس
التوحد وطريقة توماتيس : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: قالت الأم وهي تشير لابنها وهو يركض بسعادة حول المكتب وتقول الآن أصبح كثير الحركة والنشاط لكني قلت لها لا إنه للتو فقط بدأ ،أصبح الولد الذي أردت أن تحظي به دائماً ، عندما أتى الطالب إلى العيادة منذ عدة شهور جلس صامتاً في أحد زوايا غرفة اللعب يحدق بنظرة فارغة ، وفي مرات أخرى كان يطبطب غلى بطنه ، أو يتفوه بكلمات غير مفهومة ، أو يردد العبارات ذاتها لعدة مرات .كان يغطي أذنيه بيديه عندما يسمع أصواتاً خفيفة ، في حين لا يتزحزح قيد أنملة من مكانه عندما يغلق الباب خلفه بشدة .
لقد أحب ترتيب العربات الصغيرة بدقة شديدة على سجادة المكتب ، غير مبال بما يدور حوله تماماً . وقع والدي الطالب فريسة اليأس بعد أن اكتشفا أن إبنهما طفل توحدي . على مدار الأشهر الماضية ، تغير سلوك إبني بصورة درامية ، فنادراً ما نراه الآن يضع يديه على أذنيه ليحمي نفسه من الأصوات الخافته كما كان يفعل في السابق ، وتحسن التواصل البصري لديه فأصبح أكثر إرتباطاً بالبيئة المحيطة به . لقد أصبح كلامه أكثر وضوحاً عن ذي قبل ، وبدأ يتجاوب مع مدرسته وأقرانه بالفصل ،واليوم بالذات استمتع باللعب مع ثلاثة من الأطفال ( غير مصابين بالتوحد ). يا ترى ما هو سبب التغيير الذي طرأ على هذه الحالة .
فإن التغيير الذي أحدث فرقاً في حالة الطفل هو برنامج لتحفيزالإعاقة السمعية طوره الدكتور الفرنسي د توماتيس أخصائي طب الأنف والحنجرة ، وفي حين أن هذا البرنامج لم يصمم لإعاقة التوحد ، إلا أنه أظهر نتائج مشجعة في مجاله ، فلقد استجاب 6% من الأطفال التوحديون لهذا البرنامج بشكل رائع . ولكن هذا البرنامج بالتأكيد ليس علاجاً ولا يدعي أي من القائمين عليه أنه يصنع المعجزات ولكنه مقارنه بغيره من أنواع العلاج ساهم بشكل كبير في تحسين حياة هؤلاء الأطفال التوحديون .
بعض الآباء ذكروا أن البرنامج يساعد على تحسين أنواع العلاج الأخرى ، ويجعل الطفل أكثر وعياً بما يجري حوله ويحسن علاقاته مع الآخرين ، بل وفي حالات كثيرة تتحسن اللغة والتصرفات مما يجعل الحياة أسهل للطفل وأسرته . طريقة توماتيس : الهدف من طريقة توماتيس ( برنامج تومايس للتدريب السمعي )هو تطوير وإعادة تأسيس التواصل إذا فقد أو تلف لدى الإنسان ولقد أوضح د/ توماتيس أن الأذن بوظائفها المتعددة لها دور مهم ومؤثر في هذا المجال . فمثلا : (vestibule ) وهو عبارة عن جزء الأذن الداخلية يتحكم في التوازن وفي توفيق وتناغم عمل عضلات الجسم ، فلا توجد عضلة واحدة من عضلات جسم الإنسان لا تخضع لسيطرة هذا الجزء الحساس من الأذن . هذا الجزء يلعب دوراً رئيسياً في استيعاب المدخلات الحسية ، فعندما تسير الأمور بسلاسة لا تحدث أية مشاكل ، ولكن إذا حدث العكس يشعر الطفل بالحيرة بسبب كثرة المعلومات التي يستقبلها في لحظة واحدة ، وبالتالي يحاول حماية نفسه من ذلك الكم من المعلومات بالانعزال عن بيئته . أحد أهداف برنامج توماتيس هو تنظيم وظيفة (vestibule ) وجعل التكامل الحسي أكثر سهولة ، وهذه هي الخطوة الأولى لإعادة التواصل ، بل أنها الخطوة الأكثر أهميه لأنها تؤثر على اللغة ، وما يبرهن ذلك أن الأطفال الذين لا يتكلمون عادة ما يصدرون أصواتاً إذا تم تحفيز (vestibule ) لديهم ، وبهذا يتضح أن وظيفة هذا الجزء من الأذن بالغة الأهمية . وإلى جانب هذه الوظيفة الحساسة التي تقوم بها أذن الإنسان ، فإننا نعلم أنها تستخدم أيضا للسمع والإنصات ، ويوضح د/ توماتيس أن السمع والإنصات عمليتان مختلفتان ، فالسمع وظيفة مهملة نوعاً ما ، في حين أن الإنصات وظيفة نشطة جداً لأنها تتضمن الرغبة في الاستخدام الجيد للإذن .
ولتوضيح ذلك نضرب المثال التالي : عندما تنغمس في التفكير لا تسمع صوت الراديو الذي يعمل بجوارك ويطلق على هذه الحالة ( tune out ) وهي ما يحدث بشكل عام مع الأطفال التوحديون ، بينما حالة ( tune in ) هو استعادة الرغبة في الإنصات ، وهي الرغبة في استعادة التواصل مع العالم الخارجي والشخص نفسه . والرغبة في التحدث تتماشى مع الرغبة في الإنصات والتواصل . والرغبة في استخدام الصوت لا تختلف عن الرغبة في استخدام الأذن ، وكلاهما مرتبط على المستوى الفسيولوجي ، وهذا ما أثبته د / توماتيس مبيناً أنه لإصدار صوت ما يجب أولاً أن نسمعه ، وهذا يعني أن الأذن تتحكم في الصوت . ارتباط الأذن والمخ والحنجرة مهم جداً لإنتاج اللغة ، ويمكن أن يحدث ذلك إذا وجدت الرغبة للتواصل ، فبخلق الرغبة للإنصات نمهد لاستخدام اللغة . وكان إيجاد هذه الرغبة هي مهمة د/ توماتيس الأولى ، ومن خلال بحثه بدأ بفكرة بسيطة للغاية مستخدما فيها صوت الأم ، فلقد لاحظ أن الجنين يستقبل صوت الأم ويتفاعل معه ، فافترض أن هذه ربما تكون أول محاولة للحوار ، وأول محاولة لعملية الإنصات ، مما دفعه في البدء في إجراء تجارب على الأطفال ، فجعلهم يستمعون لأصوات أمهاتهم ، ثم قام بترشيح صوت الأم اليكترونياً لجعله مشابه للصوت المسموع في الرحم ، والمدهش حقاً أن الأطفال بدءوا يتجاوبون ويرتبطون بطريقة أفضل مع الأم أولا ثم مع بقية الأفراد حولهم ، وكان هذا هو الدليل على أن الإنصات يبدأ من المراحل الأولى ، والدليل على إمكانية استخدام صوت الأم كطريقة علاجيه ، فبتكرار صوت الأم الرشح والمنقح نعطي الطفل فرصة لما يسمى بإعادة البرمجة ، وهو تعبير رمزي لإبراز مراحل التطور في الاتجاه نحو اللغة والأمل في التعويض عن أي مرحلة قد تكون فقدت وبالتالي أثرت على عمليه التواصل .
وهذا بالضرورة لا يجب أن يؤدي إلى الاعتقاد بأن الأم هي المسئولة عن الصعوبات التي تواجه الطفل ، بل إن السبب في ذلك هو قلة أو عجز النضوج الحسي ، أو الصعوبات التي قد تطرأ عند الولادة أو الأمراض أو الأحداث الأخرى التي تماثل ذلك والتي تكون سبباً في قطع أو تلق المحاولات الأولى للتواصل . وقد أوضح د / توماتيس ، أننا قد لا نعرف حقيقة إعاقة التوحد ، ولكن مما لاشك فيه أن الكثير من الأطفال التوحديون يعيشون في خوف ، وأن صوت الأم من شأنه أن يفعل المعجزات لتشتيت ذلك الخوف ومساعدة هؤلاء الأطفال في عملية التواصل . قام د/ توماتيس بتطوير جهاز الكتروني يقوم بترشيح الأصوات ويتحكم في تشغيلها أو إطفاءها ، كما طور أيضا سماعات الأذن واستحدث فيها جزء مذبذب يوضع أعلى الجمجمة وينقل الصوت مباشرة إلى العظم ، وبالتالي فإن الموسيقى أو الصوت المرشح يصل من خلال العظم الأجزاء التي من شأنها أن تساعد في عملية التواصل.