أطفال التوحد فئران تجارب تحت أوهام عيادات "الأكسجين"
أطفال التوحد فئران تجارب تحت أوهام عيادات الأكسجين
تكبد أهالي المرضى آلاف الدنانير لعلاج غير معتمد ـ 80 جلسة أكسجين مضغوط والنتائج معدومة عمان نت – “ابنك معه توحد”.. كلمات طبيب نزلت كالصاعقة على والد الطفل عز الدين (عامان). سبعة أشهر مضت وأسرة عز الدين تحت وقع الصدمة والاكتئاب: “مش عارفين شو نعمل أنا وأمه”. التوحد:اضطراب صحي نمائي يظهر في الطفولة المبكرة، يؤثر على قدرة الطفل في التواصل والتفاعل مع الآخرين، و يشمل ضعف اللغة، وضعف التواصل الاجتماعيين، وضعفا في التواصل اللفظي، وضعفا في التواصل البصري. “يتدرج التوحد من الاضطراب البسيط في التواصل أو السلوك إلى حالات التوحد الشديدة؛ وفيها يعجز الطفل تماما عن التواصل والتفاعل مع الآخرين. لا يوجد حالياً علاج يُشفي التوحد؛ لكون أسبابه غير معلومة، أو مفهومة حتى الآن، إذ إن التوحد ليس مرضاً واحداً فهو طيف من أمراض كثيرة” . وفق برنامج معهد التثقيف الصحي. – المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين: يقول إن المسمى (مرض التوحد) من المفاهيم الخاطئة التي يجب تغييرها، والمسمى الصحيح (اضطراب التوحد) أو (التوحد) لكن الأمل عاد وتسلل إليهم، بعد أن راجعوا عيادة (أكسي كير) الواقعة في تلاع العلي/ عمان الغربية. “ما تخافوا عز الدين بتعالج بسهولة، في إجراءات لازم نعملها، بس الموضوع مكلف”، تلقفت العائلة هذه الطمأنة كغريق يتعلق بقشة. ولم يكترث الوالد لكلمات مسؤول العيادة أيمن المومني حول الكلفة المادية للعلاج، رغم ضيق ذات اليد: “المصاري بتتدبر المهم عز الدين يتعالج”، ويصبح مثل شقيقيه. رحلة العلاج استمرت نحو ثلاثة أشهر، خضع خلالها الطفل لـ 40 جلسة أكسجين مضغوط، إضافة إلى عمليات التخلص من المعادن الثقيلة، استقلاب الفيتامينات، الأحماض العضوية، والحمية، وفق نظام يسمى “دان بروتوكول. انتهت مسيرة العلاج بمراحلها المتعددة، لكن عز الدين لم يشف أو يتحسن، بعد أن دفع والده نحو 10 آلاف دينار أردني (14 ألف دولار)على هذا العلاج. عرض الوالد ما حدث معه على أكثر من طبيب أطفال، ليتفاجأ بأن هذا العلاج غير مثبت علمياً. والد عزالدين ليس وحده من وقع في فخ هذه العيادات. فحازم المجالي ذاق مرارة خيبة أمل شفاء طفلته: “من لديه طفل توحد يكون متفائلا بأي علاج، بس تحول التفاؤل إلى إحباط، أحبطتني النتائج.. ما كان في تغيير”. وثق معدا التحقيق 10 حالات، لجأ أهالي أصحابها إلى عيادات الأكسجين المضغوط لمعالجة أطفالهم المصابون بالتوحد، لكن لم يشف أو يتحسن أي منهم. يرصد هذا التحقيق مخالفة أربع عيادات طبية لتراخيصها، عبر علاجها أطفالا مصابين بالتوحد باستخدام الأكسجين المضغوط، غير المعتمد من المؤسسة العامة للغذاء والدواء في الأردن لعلاج مرض التوحد. تستغل تلك العيادات تضارب الصلاحيات بين الجهات الثلاث المعنية بترخيص العيادات والرقابة عليها. وتوصل المعدان أيضا إلى تنصل هذه الجهات: وزارة الصحة، مؤسسة الغذاء والدواء، ونقابة الأطباء، من مسؤولياتها الرقابية والتوجيهية. كما وثقا ضعف رقابة تلك الجهات على العيادات التي تروج علاجا لأطفال التوحد بوسائل غير معتمدة طبياً وعلمياً مقابل 4000 إلى 10.000 دينار (5600- 14000 دولار) للجولة العلاجية الواحدة المحددة بـ40 جلسة أوكسجين مضغوط. الوزارة وهي المعنية بترخيص مراكز وعيادات الطب البشري وفق نظام رقم (74) لسنة 2014، لم ترخص أي عيادة أو مركز لعلاج التوحد بالأكسجين المضغوط، حسبما جاء في ردها المكتوب على معديِّ التحقيق. أبواب تلك العيادات ما تزال مشرعة، تتنافس على اصطياد أهالي تسعة آلاف طفل مصاب بالتوحد في الأردن تقريباً، علاوة على غيرهم من أطفال العرب، وذلك من خلال الدعاية الإعلانية عبر شبكة الانترنت، والعديد من المقابلات التلفزيونية الدعائية لأصحابها. مصائب قومٍ عند قومٍ فوائدُ على مدى تسعة أشهر، قَابل معدا التحقيق 10 حالات “دَاوَت” أطفالها في عيادات الأكسجين المضغوط الخاصة، بغية علاجهم من التوحد. وأفاد ذووهم في مقابلاتٍ فردية معهم، بأن أطفالهم لم يتحسنو جراء هذا “العلاج”. نصف الحالات التي قابلناها خضع أطفالها لـ80 جلسة أكسجين مضغوط فأكثر، ويتراوح سعر الجلسة الواحدة بين 80 و140 ديناراً (115 و200 دولار)، وتكلفة الجلسة الواحدة – لمدة 60 دقيقة – تصل إلى 15 دينارا (20 دولارا) ثمناً للأكسجين المضغوط، بينما يبلغ سعر جهاز الأكسجين المضغوط قرابة 70 ألف دينار (100 ألف دولار)، وفق مدير المركز الأردني للعلاج بالأكسجين المضغوط د. عاصم بلعاوي. أسرة أديب عكروش المتقاعد من القطاع الخاص، تكبدت قرابة 10.000 دينار(نحو 14 ألف دولار)؛ بأمل علاج حفيده وليم من التوحد في عيادة (أوكسي كير). “كل الحالات اللي شفتها بالمركز دفعت مصاري، وخلصوا الجلسات الموصوفة لهم، وما استفادوا من العلاج بالأكسجين”، يقول عكروش، مضيفا: “هؤلاء تجار وإحنا ناس بنتعلق بالأمل لعل الطفل يستفيد من العيادات، وللأسف ما في فايدة!”. أم الطفل عبد الحميد تكتفي بـ: “حسبي الله ونعم الوكيل” بعد أن “وقع الفأس بالرأس”. فحينما باعت حليها لمعالجة بكرها بالأكسجين المضغوط، عاشت “على أمل أن يعيش بلا توحد”؛ لكن أملها تبخر بعد آخر جلسة أكسجين. سمير عبد الله هو الآخر يترنح تحت وطأة الديون، بعد أن أرهقته كلفة علاج طفله، الذي لم يشف من التوحد بعد 40 جلسة. للعلاج بالأكسجين المضغوط: يتفرع عن طب الأعماق، ويعني استعمال الأكسجين تحت ضغط مرتفع كوسيط ومادة علاجية فعالة ومؤثرة، وذلك بزيادة ضغط الأكسجين المستنشق إلى ضعفي الضغط الجوي، بحيث يزداد ضغط الأوكسجين في بلازما الدم وسوائل الجسم الأخرى إلى 10 مرات عن المستوى الطبيعي. وعند هذا الضغط يذهب الأوكسجين المسال مباشرة إلى الخلايا والأنسجة التي حرمت منها. أول من استخدم الأوكسجين المضغوط في علاج التوحد الأمريكي دانيال بريزنول عام 1995. وأول من ادخل هذا العلاج إلى الأردن الدكتور عاصم بلعاوي عام 2004 مؤسس ومالك المركز الأردني للأكسجين المضغوط. أثبتت منظمة الغذاء والدواء الاميركية، وجمعية طب الاعماق، أن الاكسجين المضغوط ليس علاجا لأطياف التوحد. لم يجد معدا التحقيق تسعيرة معتمدة لجلسة الأكسجين المضغوط في لائحة الأجور الطبية المنشورة في الجريدة الرسمية عدد (4912) والصادرة بتاريخ6/16/ 2008. في الوقت عينه، لم يشاهدا أي لائحة أسعار بارزة في الأماكن الأربعة التي تعالج التوحد بالأكسجين المضغوط، وهي: أوكسي كير، وتوتال، والمركز الطبي للتوحد، و”الأردني للعلاج بالأكسجين المضغوط”. نقابة الأطباء، هي المسؤولة عن مراقبة التزام هذه العيادات بإبراز لائحة الأجور التي تتقاضاها العيادات، إذ يُعد عدم الإعلان عنها في مكان بارز مخالفة لأحكام نظام أجور الأطباء، والتعليمات الصادرة بمقتضاه مخالفة تأديبية بالمعنى المقصود في قانون النقابة، والأنظمة الصادرة بمقتضاه، بحسب المادة 8 من نظام الأجور الطبية.
علاج غير معتمد المؤسسة العامة للغذاء والدواء، لم تعتمد الأكسجين المضغوط علاجاً للتوحد، وفق ردها المكتوب على معدي التحقيق. “استخدام الأكسجين المضغوط لعلاج التوحد بدعة جديدة، وغير موافق عليه من المؤسسة العامة للغذاء والدواء، ولم يوجد لغاية الآن عقار طبي لمعالجة التوحد”، بحسب المدير العام للمؤسسة هايل عبيدات. ويرى عبيدات أن من “يستخدم هذا العلاج أشخاص يبحثون عن الربح السريع، ويستغلون حاجة الناس، وهذا يتنافى مع أخلاقيات المجتمع الأردني”. منظمة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) الأشهر في عالم الدواء، تؤكد أن علاج التوحد بالأكسجين المضغوط لم يثبت سريرياً، وغير فعال. المنظمة ذاتها أصدرت في إبريل/ نيسان 2014، بياناً عنونته بـ”الحذر من الادعاءات الكاذبة والمضللة لعلاج التوحد”، وأدرجت ضمن هذه الادعاءات “الأكسجين المضغوط، وعملية إزالة السموم والمعادن الثقيلة، وعملية استقلاب الأحماض العضوية، والفيتامينات، والأحماض الدهنية، إضافة إلى الحمية الغذائية”، وجاء في البيان أيضا : “إن هذه الإجراءات ليست علاجاً للتوحد، وتحمل مخاطر صحية، وهي غير فاعلة، وغير آمنة”. وزارة الصحة تتولى ترخيص عيادات ومراكز الطب البشري وفق نظام ترخيص العيادات والمراكز الطبية رقم 74 لسنة 2014: المادة (4- أ) تتولى اللجنة المهام والصلاحيات التالية وترفع توصياتها إلى :_الوزير لإصدار القرار المناسب بشأنها 1- النظر في طلبات ترخيص العيادات أو المراكز. 2- الكشف على موقع العيادة أو المركز والتأكد من توافر الشروط. 3- الكشف الدوري على العيادات والمراكز ومراقبة تقيدها بشروط الترخيص والتشريعات النافذة. جميع هذه الإجراءات تستخدم في عيادتي أكسي كير، وتوتال في عمان. “علاج التوحد بالأكسجين المضغوط غير مثبت علمياً، وهناك العديد من الأبحاث التي تنفي أن الأكسجين علاج لمرضى التوحد، لذلك لا نستطيع استخدامه”، بحسب مدير دائرة طب الأطفال في مستشفى الملكة رانيا العبدالله العميد الدكتور صالح العجلوني.
عيادات غير مرخصة وزارة الصحة لم ترخص أي مركز أو عيادة لعلاج التوحد بالأكسجين المضغوط، وفق ردها المكتوب على معدي التحقيق. في عام 2011 شكلت الوزارة لجنة تمثل القطاع الطبي الخاص، والخدمات الطبية الملكية، ونقابة الأطباء، والمستشفيات الجامعية بالإضافة للوزارة؛ لدراسة إمكانية علاج التوحد بالأكسجين المضغوط، وخلصت اللجنة إلى: “إن الأكسجين المضغوط غير مجدٍ لعلاج التوحد”، وأوصت: “بعدم ترخيص أي مركز لمعالجة التوحد بتقنية الأكسجين المضغوط”، بحسب رئيس اختصاص الأطفال في وزارة الصحة الدكتور سمير الفاعوري.
مخالفات بالجملة 6 من 10 حالات وثّقها معدا التحقيق، تطبب أطفالها بالأكسجين المضغوط في عيادة أوكسي كير. واشتكت عائلات في مقابلات فردية مسجلة معها، من أن أطفالها لم يتماثلوا للشفاء، مؤكدين أن مسؤول العيادة أيمن المومني هو الذي أشرف على علاجهم بيده. رتبنا مقابلة مصورة مرئياً مع مسؤول العيادة المومني في عيادته؛ لأخذ رده على مجمل القضايا التي وثقناها. لكنه تهرب من إجراء المقابلة بحجة أن محاورها لم تعجبه. ولجأ معدا التحقيق لطرح أسئلتهما في العلن أمام كادر العيادة، والكاميرا: – دكتور أيمن جاوب عن أسئلتنا لماذا تتهرب من الإعلام؟ – السكرتيرة: برا من غير مطرود. – من يمكنه أن يجيب عن أسئلتنا هنا؟ – صيتان القصراوي (طبيب عام): رئيس المركز؛ يقصد أيمن المومني. – هل عيادتكم مرخصة من مؤسسة الغذاء والدواء لمعالجة التوحد بالأكسجين المضغوط؟ – صيتان: “نعم مرخصة، إذا أنت مش متأكد روح على مؤسسة الغذاء والدواء، أنا مش راح أبوس على أيدك مشان تصدقني”. – هل العيادة مرخصة لدى وزارة الصحة لمعالجة التوحد بالأكسجين المضغوط؟ – صيتان: “بقولك روح على وزارة الصحة، العيادة مرخصة لمعالجة التوحد بالأكسجين المضغوط”. – ممكن أشوف الرخصة؟ – صيتان: “بحكيلك مرخصة”. – هل يجوز لك كطبيب عام أن تعالج أطفال التوحد بالأكسجين المضغوط؟ – صيتان: “نعم يجوز”. – هل معك ما يثبت ذلك؟ – صيتان: “لو سمحت خلي الأخ يطلع برا – يقصد المصور- أو بتطلع أنت وإياه. تفضل روح على وزارة الصحة”. المادة 5 من نظام ترخيص العيادات والمراكز الطبية رقم 74 لسنة 2014: أ) يقدم طلب ترخيص العيادة أو المركز إلى اللجنة على النموذج المعد في الوزارة لهذه الغاية مرفقا به الوثائق التالية:- 1- صورة مصدقة عن ترخيص مزاولة مهنة الطب الصادرة عن الوزارة للطبيب مقدم الطلب. 2- كتاب صادر عن النقابة بعدم الممانعة. 3- عقد إيجار أو سند ملكية باسم مقدم الطلب وصورة عن عقد الشراكة للمركز أن وجد. 4- مخطط موقع تنظيمي. 5- سجل تجاري للمركز. ب) يشترط في مقدم طلب الترخيص أن يكون طبيبا وأن لا تقل حصة الأطباء في مركز الاختصاص عن (51%) من رأس المال.
صيدلي يمارس الطب هو صيدلي مسجل في نقابة الصيادلة؛ والعيادة مسجلة باسم والده الطبيب عبد الحفيظ المومني، ويمارس طب الأطفال في عيادته بشارع السينما في مدينة أربد فقط، وفق ما تثبته سجلات نقابة الأطباء.وبالتقصي اكتشفنا أن أيمن المومني مسؤول العيادة ليس طبيباً مسجلاً في نقابة الأطباء. يرد الطبيب عبد الحفيظ، قبل أن يغلق هاتفه في وجه معد التحقيق: “العيادة مسجلة باسمي، وقد عَينت فيها طبيبا، وهناك مدير إداري ممكن ترجعله – يقصد ابنه أيمن المومني”. للتأكد من هذه المعلومات، بعث معدا التحقيق رسالة عبر البريد المستعجل لعيادة أوكسي كير، بتاريخ 5 يناير/ كانون الثاني 2015، يطلبان فيها تزويدهما بنسخة عن تراخيصها التي تسمح لها باستخدام الأكسجين المضغوط كعلاج للتوحد، وأيضا شهادة مزاولة المهنة للعاملين فيها. وطلبا أيضا اسم صاحب الرخصة، لكنهما لم يتلقيا أي إجابة حتى تاريخ نشر هذا التحقيق.
التجربة: 200 جلسة أكسجين في عيادة توتال ويلنس لعلاج التوحد الكائنة في الشميساني/ أحد أحياء عمان، وثقنا تَداوي طفلان لم يستفيدا من العلاج بالأكسجين المضغوط، وفق ذويهما لمعدي التحقيق. يُعلل مسؤول العيادة الطبيب محمد المومني، عدم استجابة هؤلاء الأطفال للعلاج بالأكسجين المضغوط:”بأنهم أطفال مقاومون للعلاج ولا يكفيهم كورس علاجي واحد 40 جلسة، وممكن يحتاج 80 أو 120 أو 200 جلسة أكسجين”. ويقول المومني الذي تدرب في جمعية “أهزم التوحد الآن” الأميركية: “نبقى نعطيه أكسجين حتى يستفيد؛ لأننا لا نعرف أين هو الحد الأعلى للاستجابة، ولا يوجد فحص يُبين كم جلسة سيحتاج، لازم نجرب، ونحاول لنرى أين سيستجيب الطفل!”. الكلام الذي حاول أن يخفيه الطبيب المومني عن حقيقة علاج التوحد بالأكسجين المضغوط، قاله فني العلاج في ذات العيادة: “هذا العلاج غير معترف به دولياً ورسمياً لمعالجة التوحد، لكونه لم يحصل على الحد الأدنى لاعتماده كعلاج مضمون، هو ليس علاجاً 100 %”. بقي المومني عاجزاً عن إبراز رخصة لعلاج التوحد باستخدام الأكسجين المضغوط في عيادته، قائلاً: “أنا مش مطلوب مني رخصة للأكسجين، نحن أطباء مؤتمنون على حياة أطفال العالم، بقسم أبو قراط، وبما إنني مؤتمن على حياة الأطفال، ما بدك تأتمني على جهاز أكسجين”؟!
مركز مخالف رافقنا أم عامر وطفلها المصاب بالتوحد إلى المركز الأردني للعلاج بالأكسجين المضغوط في مستشفى الإسراء؛ لعلاج طفلها ذي الثلاث سنوات. حصلت هناك على تقرير يفيد بأن عامر يعاني من أعراض التوحد، ويحتاج إلى 20 جلسة أكسجين مضغوط لتساعده على الشفاء، وتتراوح مدة كل جلسة بين 60 و90 دقيقة، مقابل 140 ديناراً (200 دولار). مقابل 10 دنانير، زود المركز أم عامر بتقرير طبي لتقديمه إلى الديوان الملكي أملا في الحصول على إعفاء، لكونها لا تستطيع دفع المبالغ المترتبة على علاج ابنها، وفق ما وثقته كاميراتنا السرية. تشير الكتب الرسمية من وزارة الصحة إلى أنه في عام 2004 رخصت الوزارة وحدة للعلاج بالأكسجين المضغوط في المستشفى التخصصي، بإشراف اختصاصي جراحة أوعية دموية وقلب الدكتور عاصم بلعاوي. وفي عام 2014 انتقلت الوحدة إلى مستشفى الإسراء، تحت اسم المركز الأردني للعلاج بالأكسجين المضغوط، وبإشراف الطبيب ذاته. هذا المركز وفق رد الوزارة المكتوب، مرخص لمعالجة أمراض متعددة، ليس من بينها التوحد. يدافع مدير المركز عاصم البلعاوي: “نحن أمورنا قانونية في علاج التوحد، نحن لا نعالج المرض كمرض، نحاول أن نعطي دفشة تنشيطية أكسجينية لهذا المريض، وإذا استفاد خير وبركة”. يتابع البلعاوي: “الغذاء والدواء في الأردن مقلدون غير مبدعين، وإذا قررت الغذاء والدواء في أميركا أنه مفيد للتوحد، يصبح مفيدا عنا”.
المركز الطبي للتوحد جملة تناقضات يسوقها طبيب المركز الطبي للتوحد نجاتي الصلح، في تبرير استخدامه للأكسجين المضغوط في علاج التوحد. ففي الوقت الذي يقول فيه: “لا يوجد بحث علمي قوي يؤكد أن الأكسجين يشفي التوحد”، يُقر بأنه يستخدمه “بطريقة صحيحة، ومقننة جداً لعلاج التوحد”. “ثلاث حالات فقط طَلبتُ لها الأكسجين المضغوط، والأطفال تحسنوا تحسنا بسيطا، برأي الأهل، مع استمرارهم في برنامج التأهيل”، حسبما يضيف الصلح.
وفي الوقت الذي عجز فيه عن إبراز رخصة سارية المفعول من مؤسسة الغذاء والدواء، ووزارة الصحة؛ تخوله معالجة التوحد بالأكسجين المضغوط في عيادته، يؤكد الصلح أنه: “لا يخالف القانون، وإن المؤسسة العامة للغذاء والدواء مقصرة في البحث العلمي، لاعتماد الأكسجين لمعالجة التوحد”.
“الصحة” تتهرب وزارة الصحة تقول إنها لم تتلق شكاوى حول عيادات، ومراكز خاصة تعالج التوحد بالأكسجين المضغوط منذ عام 2010، وحتى تاريخه. ولم تتخذ إجراءات حيال هذه العيادات خلال تلك الفترة، بحسب رد الوزارة المكتوب على معدي التحقيق. الوزارة، لم تنفذ أيضاً أي جولات تفتيشفية على هذه العيادات والمراكز الخاصة، منذ 2010، بحجة أن :”جهاز الأكسجين المضغوط هو جهاز طبي لعلاج أمراض عديدة، والرقابة عليه من اختصاص المؤسسة العامة للغذاء والدواء، والوزارة لا تكشف على الأجهزة الطبية بشكل خاص”، وفق رد الوزارة. وتوضح الوزارة في ردها :”أن تراخيص العيادات حتى 2014 من اختصاص نقابة الأطباء”. المادة (3) من قانون الصحة العامة رقم (47) لسنة 2008: تكون الوزارة مسؤولة عن جميع الشؤون الصحية في المملكة، وتشمل مهامها بصورة خاصة ما يلي: أ) الحفاظ على الصحة العامة بتقديم الخدمات الصحية الوقائية، والعلاجية، والرقابية. ب) تنظيم الخدمات الصحية المقدمة من القطاعين العام والخاص والاشراف عليها. هذا ما ينفيه نقيب الأطباء الدكتور هاشم أبو حسان: “فالمسؤول عن فتح العيادات وإغلاقها وزارة الصحة”، مضيفا: “أنا لا ألقي العبء عليها، لكنها هي المسؤول بحكم القانون”، وقال: “إن النقابة لا تمتلك سلطة تنفيذية بإغلاق أي مركز أو عيادة؛ (بل) نحن نرسل لوزارة الصحة، وهي تقوم بذلك”. على أن الوزارة لم تتلق أي طلبات من نقابة الأطباء بإغلاق أي من عيادات، ومراكز علاج التوحد بالأكسجين المضغوط، وفق أبو حسان. دفعتنا هذه الردود الملتبسة، إلى طلب إجراء مقابلة مع وزير الصحة علي حياصات بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2014. فوزارته هي المسؤول الأول بحكم قانونها عن الحفاظ على الصحة العامة، رقابياً ووقائياً وعلاجياً. وهي المعنية أيضاً بتنظيم الخدمات الصحية في القطاعين العام والخاص والإشراف عليها.
على أن المقابلة المنشودة أرجئت ثلاث مرات من طرف الوزير. اتصلنا بمكتبه، وعلى هاتفه الخاص عشرات المرات خلال أكثر من شهر لترتيب موعد جديد، لكن الاعتذار كان سيد الموقف. الناطق الإعلامي باسم الوزارة حاتم الأزرعي، ومدير التراخيص والمهن فيها قاسم الرحاحلة؛ اعتذرا أيضا عن الإدلاء بأي تصريحات بهذا الخصوص. كل هذا دفعنا لمحاولة أخذ رد من الوزير قبل دخوله اجتماع في مؤسسة الغذاء والدواء بتاريخ 22 يناير/ كانون الثاني 2015، لكنه وعد بإجراء مقابلة خلال أسبوع. ولم يتحقق الوعد حتى تاريخ نشر التحقيق. الغذاء والدواء: ليست مسؤوليتنا
وفي الوقت الذي تؤكد فيه أن العلاج بالأكسجين المضغوط غير معتمد من قبلها لعلاج التوحد، وأن من يستخدمه مخالف، تفيد المؤسسة بأنها غير مسؤولة عن الرقابة على استخدام الأكسجين المضغوط في العيادات والمراكز الخاصة؛ لكون الأكسجين ليس دواءً، وفق مديرها العام الدكتور هايل عبيدات. يبرر عبيدات عدم المتابعة بأن الرقابة على هذه العيادات من اختصاص نقابة الأطباء ووزارة الصحة، مؤكدا أن دور المؤسسة ينصب في الرقابة على استعمال الأدوية وتداولها. لكنه يردف: “لن نتخلى أو نتهرب من مسؤولياتنا في الرقابة على الأدوية في الأردن.. بوعدك أن ننسق مع نقابة الأطباء ووزارة الصحة للتفتيش على هذه العيادات”.
على أن نقيب الأطباء الدكتور هاشم أبو حسان يرد على ذلك: “النقابة ليس لها دور فيما يتعلق بالأدوية مهما كانت؛ فهي من اختصاص المؤسسة العامة للغذاء والدواء، وأي دواء مزور، مهرب، غير مسجل، أو منتهية صلاحيته هو من اختصاص المؤسسة”. قانون المؤسسة العامة للغذاء والدواء – مؤسسة حكومية شبه مستقلة – رقم 41 لسنة 2008، حدد أهدافها بضمان سلامة الدواء وفاعليته وجودته والرقابة على الدواء، أو أي مواد أخرى ينص عليها قانون الدواء والصيدلة.
ويعرف قانون الدواء والصيدلة رقم 12 لسنة 2013، كلمة دواء: “بأي مادة أو مواد فعالة؛ والتي تؤدي عملها في تشخيص، أو معالجة، أو شفاء، أو وقاية من الأمراض في الإنسان، أو التي توصف بأن لها هذه المزايا”. رئيس دائرة طب الأطفال في مستشفى الملكة رانيا العبدالله التابع للخدمات الطبية الملكية العميد الدكتور صالح العجلوني يناشد المؤسسة العامة للغذاء والدواء بتشديد رقابتها على هذا العيادات التي تستخدم الأكسجين المضغوط دواء للتوحد، لكونها ممارسة غير علمية، وغير صحيحة.
النقابة مقصرة يبرر نقيب الأطباء وجود عيادات خاصة مخالفة، بأن النقابة لا تستطيع أن تتابع العدد الهائل من العيادات. فهناك نحو 28 ألف طبيب مسجل في النقابة ونحو 10 آلاف طبيب في القطاع الخاص، وقرابة 4 آلاف عيادة خاصة في أنحاء المملكة.
ويشدد أبو حسان على “أن النقابة ليست مقصرة”. النقابة لا تستطيع أن تتحرك؛ لعدم وجود معلومات عن شيء خطأ، أو شكاوى لديها ضد عيادات علاج التوحد باستخدام الأكسجين المضغوط، بحسب أبو حسان. يعلل أديب عكروش جد الطفل وليم المصاب بالتوحد، عزوفه عن تقديم أي شكوى بعدم إيمانه بقدرة المؤسسات المعنية على تحصيل حقه، أو فعل أي شيء. ويتساءل: “لمن أشتكي؟ إذا أنا بعتبر حالي متنور، وما قدرت أعمل شيء، كيف الناس البسيطة؟ يمكن تعمل معركة بالسلاح الأبيض!”. المحامي المتخصص في القضايا الطبية زياد حدادين ينصح المتضررين باللجوء إلى”القضاء كونه الجهة الوحيدة المحايدة والعادلة، على عكس النقابة التي تهدف إلى حماية منتسبيها”. يتابع: “اللجوء إلى القضاء يحمي النقابة أيضا، من تشكيك الشخص الذي يلجأ إليها، بوصفها الحكم والخصم في آن واحد في الشكاوى المقامة على منتسبيها”. ويحظر قانون نقابة الأطباء في المادة 10: “على الطبيب اللجوء إلى أساليب يمكنها أن تسف (تسيء) بمهنة الطب؛ وبخاصة ما يدخل في زمرة الغش، والتدجيل، والادعاء باكتشاف طريقة للتشخيص، أو العلاج غير المثبتة علميًا”. كما يحق لمجلس النقابة التفتيش على عيادات الأطباء كلما رأى ضرورة لذلك، وفق المادة 9 من قانون النقابة. وكل طبيب يخالف قانون النقابة، أو يخل بواجباته المهنية يعرض نفسه لإجراءات مجلس التأديب في النقابة التي تتراوح بين عقوبة التنبيه، والمنع النهائي من ممارسة المهنة، وفق قانون النقابة. عضو مجلس نقابة سابق رفض ذكر اسمه، يأخذ على مجلسها، ولجان التأديب فيها تضامنهم السلبي مع منتسبي النقابة؛ لغايات انتخابية أو مصالح شخصية. لكن نقيب الأطباء ينفي ذلك. النقابة لم ترد على طلب الحصول على المعلومات المرسل إليها من معدي التحقيق في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، والمكون من تسعة أسئلة تستفسر عن عدد إجراءات النقابة وطبيعتها بحق العيادات الطبية المخالفة، وعن عدد جولاتها التفتيشية على العيادات الطبية. في ظل تقاعس وزارة الصحة، ونقابة الأطباء، والمؤسسة العامة للغذاء والدواء عن القيام بواجباتهم الرقابية، سيبقى عزالدين وغيره من أطفال التوحد، فئراناً للتجارب لتجار الأوكسجين. هذا التحقيق من إعداد وحدة الصحافة الاستقصائية في راديو البلد وموقع عمان نت، وبدعم وإشراف شبكة أريج (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية).
بيان وتوضيح أعلنت الحكومة الأردنية في أذار/ مارس 2015 قرارها إغلاق خمسة مراكز لعلاج “أطفال التوحد” باستخدام الأوكسجين المضغوط.
جاء ذلك عقب تحقيق “أطفال التوحد فئران تجارب تحت أوهام عيادات الأكسجين ” الذي نشره راديو البلد/ موقع عمان نت، بدعم وإشراف شبكة أريج. اتخذ قرار الإغلاق بعد زيارة قام بها رئيس مجلس إدارة أريج، ومالك راديو البلد لوزيرة التنمية الاجتماعية.
وخلال لقائهما تمت مناقشة قضية التحقيق مع الوزيرة قبل نشره. ولم يسفر اللقاء بينهما عن أي تعديلات على التحقيق الصحفي الذي نوقش أثناء اللقاء، غير أنّ الوزير قرر بنتيجة اللقاء اغلاق المراكز المخالفة. قام مجلس إدارة شبكة أريج بتشكيل لجنة للتحقيق، فيما إذا كانت زيارة رئيس مجلس الإدارة متوافقة مع سياسات الشفافية الخاصة بالشبكة. وخلص مجلس الإدارة بقراره إلى أن قرار رئيس مجلس الإدارة عكس “سوء تقدير” منه، وأنه سيتم اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ قوانين أكثر حزماً لمنع تكرار مثل هذه الحوادث.