مرشد لتحسين الصحة النفسية وعلاج القلق والاكتئاب حسب العلاج السلوكي المعرفي
مرشد لتحسين الصحة النفسية وعلاج القلق والاكتئاب حسب العلاج السلوكي المعرفي البشر يرضخون تحت ثقل المطالب في البيت والعمل والحياة بشكل عام. في وقتنا المعاصر نحن لا نستطيع أن نهرب من الاخبار التي تصل لنا على مدار 24 ساعة من خلال التلفزيون أو الشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال الاجتماعي. بالاصافة الى ذلك الأوضاع غير مستقرة ان كانت بسبب الحروب أو الركود الاقتصادي وعدم الأمان. بدأ البشر يتأثرون أكثر من أي وقت مضى بمطالب المثالية وبوجوب “حصولهم على كل شيء”، مما يزيد من ضغوط حياتهم ويعرضهم للقلق والاكتئاب وعوارض اخرى كالأرق والإجهاد وفقدان السيطرة وفقدان احساس المعنى والمتعة في الحياة. ذلك بالاضافة الى تعدد العوارض الجسدية التي لا يرى الاطباء وجود سبب طبي لها، ويرجحون سببها للوضع النفسي. من الأفضل أن تعالج جميع هذه العوارض في مراحلها الأولى، قبل أن تتحول الى قلق واكتئاب يصعب معالجتهم. الأدوية تساعد جدا وهي جزء من الحل، لكن للمدى البعيد هنالك حاجة لتغيير بنمط الحياة والتفكير، وهذا ما يقدمه العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioural therapy – CBT ).
العلاج السلوكي المعرفي هدفه تحويل نمط التفكير السلبي الى نمط إيجابي في التفكير والفعل. هذا العلاج ككل علاج نفسي آخر ليس حلا سريعا، لأن تغيير أنماط ترسخت في الذهن لا يحصل بأسبوع أو اثنين. لكن، عند مقارنة فترة العلاج السلوكي المعرفي مع فترات أنواع اخرى من العلاج، يتضح أنه بعد فترة قصيرة نسبيا منه يبدأ الشخص بالتحسن ويسترجع شعور استعادة السيطرة على حياته.
ما الفرق بين الشخص السعيد والشخص الغير سعيد؟ في الأبحاث التي قارنت المميزات الحياتية بين أشخاص عرفوا عن أنفسهم على أنهم سعداء، وأشخاص رأوا أنهم غير سعداء، وجد أنه لا فرق بينهم بواقع ومميزات الحياة. الفرق الوحيد الذي وجد يتعلق بنمط تفكيرهم. الأمر ببساطة شديدة يتعلق في اذا كانوا يرون الكأس نصف ممتلئة أو نصف فارغة. في الواقع، الظروف الخارجية ليست هي ما تقرر كيف نشعر. التفسير الذي نعطيه لهذه الأمور هو المسؤول عن نوع شعورنا.
ما هو العلاج السلوكي المعرفي؟ العلاج السلوكي المعرفي يتعلق بمميزتان في النفس البشرية: 1. الجزء التفكيري أو المعرفي، الذي يتعلق بأفكارنا وذكرياتنا وكلماتنا وكل ما يتواجد في أذهاننا. 2. الجزء السلوكي، الذي يتعلق بكل ما نفعله مع أعضاء جسدنا في كل لحظة من اليوم، حتى لو كان مجرد الجلوس على الكنبة والنظر طويلا الى السقف.
كيف يؤثر هذا على الطريقة التي نشعر بها؟ المشاعر هي جزء وسيط بين الفكرة والتصرف وهي تؤثر على كليهما. الفكرة التي تخطر ببالنا سوف تولد فينا شعورا، قد يجعلنا نتصرف حسبه. الأمر يمكن أن يكون استرجاعيا أيضا، لأن التصرف الذي قمنا به قد يولد فكرة ما في ذهننا، التي سوف تقوم بدورها بالتأثير على ما نشعر. عن طريق استعمال تقنيات العلاج السلوكي المعرفي، يمكن التأثير على الطريقة التي نشعر بها عن طريق تغيير طرق التفكير والسلوك.
انتقاد الذات هنالك دائرة مقفلة بين 3 مفاهيم: انتقاد الذات، الثقة بالنفس والقدرة على القيام بالفعل. انتقاد الذات على امر حصل بالماضي هو من أكثر الأمور التي تقوض الثقة بالنفس، وبالتالي النتيجة تكون مشاعر الخوف التي بدورها تجعل الشخص يمتنع من القيام بالأمر الذي أراد أن يقوم به. أحد أهم أسس العلاج السلوكي المعرفي هي مراقبة أفكار انتقاد الذات وتحليلها، كي يكتسب الشخص السيطرة عليها ويغيرها، مما يحسن ثقته بنفسه ويدفعه نحو القيام بما أراد القيام به.
الاساليب المختلفة للتفكير وليونة التفكير أحيانا نلاحظ أن افكارنا تأخذ منحى موحد وطريقة واحدة. أفكارنا تتمركز بشكل عام على الماضي أو المستقبل، وتكون إما ايجابية أو سلبية. عندما نشعر بالحزن والقلق، فإنه من المرجح أن افكارنا أخذت منحاها السلبي. عندها تصبح أفكارنا مليئة بالندم على الماضي أو بالأفكار السلبية عن ما نتوقع أن يحصل بالمستقبل. في تلك اللحظات تمتلئ تلك الأفكار بالانتقاد الموجه نحو ذواتنا أو كل من حولنا.
أحيانا كثيرة نصبح ضيقي الأفق، وتصبح أفكارنا متصلبة وفي اتجاه واحد. عندها يتعذر علينا أن نفكر في بدائل أو تفسيرات اخرى للوضع القائم. مثلا، تخيل أنك قمت بالإتصال بصديقك، الذي لم يرد على اتصالك ولم يعاود الاتصال بك. ما هو نوع التفسيرات التي تعطيها لموقف كهذا؟ هل هي تفسيرات ايجابية أم سلبية؟ في الكثير من الأحيان هنالك طرق وبدائل عديدة لتفسير نفس الموقف. لا توجد بالعادة تفسيرات صحيحة أو خاطئة، لكن عندما يتعلق الأمر بسيطرتنا على الطريقة التي نشعر بها، فإن هنالك تفسيرات ذات تأثيرات ايجابية، واخرى تأثيرها سلبي للغاية. مثلا، في موقف حزين، هنالك تفسيرات تزيد مشاعر الحزن لدينا، وهنالك تفسيرات تسمح لنا بالتعامل السليم مع مشاعرنا. القدرة على رؤية تفسيرات عديدة لكل موقف تسمى “ليونة التفكير”. تطوير هذه القدرة تساعد الناس على المحافظة على صحة نفسية جيدة، ويعد أحد أسس العلاج السلوكي المعرفي. أنواع أساليب التفكير هنالك انواع من اساليب التفكير التي تساهم بزيادة القلق والارهاق، وتجعلنا نشعر بالحزن أو الغضب أو الكآبة، منها: 1. القلق والافكار السلبية اللانهائية: أن تستمر بالتفكير بذات الأمر دون نهاية، أو أن تتخيل نتيجة أحداث على انها سوف تكون مؤسفة وصادمة. تكون هذه الأفكار أشبه بالوسواس العالق بالذهن، وهي لا تنتهي بقرار عدا عن أنها تستهلك الكثير من الوقت. 2. التحليل المفرط: التساؤل المستمر بالنسبة للأحداث أو المشاعر او التصرفات، بطريقة لا نهائية وأحيانا فلسفية. 3. الانتقاد: انتقاد مفرط للذات أو الاخر او لأحداث، واعطاء الامور دائما تفسيرات سلبية. 4. التدقيق المفرط: فحص مستمر للذات أو للآخر لهدف إيجاد العيوب أو الأخطاء أو نقاط الفشل. 5. القاء اللوم: القاء اللوم الدائم على “الخارج” بما فيه من أشخاص أو ظروف، وبهذا يتم الامتناع عن رؤية المسؤولية الذاتية في ما يحصل.
أخطاء التفكير: بالاضافة لأساليب التفكير التي ذكرت سابقا، هنالك بعض من الأخطاء في التفكير التي قد تولد المشاعر السلبية. هذه الأخطاء هي: 1. “الكل أو لاشيء”: عندما تكون افكارنا متقطبة ونرى الأمور ك”أسود” أو “أبيض”. مثلا، اذا لم تطبخ كل يوم وتجعل منزلها لامعا دون أي شائبة هي ترى نفسها ربة منزل فاشلة. 2. التعميم: عندما نأخذ أمرا واحدا حصل معنا ونقوم حسبه باستنتاجات عامة عن حياتنا. مثلا، حين يرسب طالب مرة في امتحان ويستنتج حسب هذا انه فاشل في الموضوع ولن ينجح فيه أبدا. 3. مصفاة حقائق: حين نركز على حقيقة واحدة من بين مجموعة من الحقائق ونستنتج حسبها. مثلا، شخص أعطاه رئيسه بالعمل ملاحظة سلبية واحدة عن عمله، فقام بعدها بإستنتاج انه في طريقه لأن يطرد، ولم يستطع رؤية كل الامور الايجابية التي يقوم بها في العمل ورئيسه يقدره عليها. 4. إبعاد وعدم تصديق الأفكار الايجابية: مثلا عندما تخطر ببالنا فكرة ايجابية عن ذواتنا، أو عندما يقدم لنا أحدهم الاطراء، لا نصدق ما قيل ونقول “هذا ليس بالأمر المميز، الجميع يستطيع فعل ذلك”. 5. “من المفروص”: عندما نلقي بتطلبات مثالية وغير واقعية على أنفسنا وعلى العالم من حولنا، غير متقبلين لعدم المثالية التي هي من مميزات الحياة. مثلا، عندما يقول شخص ما “من المفروض أن تفهم حبيبتي بالضبط كيف أشعر”. 6. الإسراع بالإستنتاجات: عندما نقوم بإستنتاجات سلبية (غالبا عن أنفسنا) بدون أن نملك الحقائق التي تدعم هذه الاستنتاجات. قد يكون هذا بطريقتين: أ. قراءة أفكار الآخر (“انا متأكد انها تظن أني فاشل”). ب. تنبؤ المستقبل (“لماذا أقدم الامتحان وأنا محكوم بالفشل؟”). 7. التعظيم والتحقير: عندما نعظم بعض الامور (بالعادة أخطاء الذات وانجازات الغير)، ونحقر أمورا أخرى (كإنجازات الذات وأخطاء الآخر). مثلا، حين يقول شخص ما “لقد فشلت في هذا، أنا متأكد لو كان أحد غيري لما خسر هذه الفرصة، أنا بالفعل فاشل”. 8. الاستنتاج حسب ما نشعر: عندما نستعمل مشاعرنا كوسيلة للتبؤ بما سوف يحصل. مثلا حين يقول شخص ما “أنا خائف وأرتجف، سوف أفقد السيطرة الآن”. 9. التصنيف السلبي: عندما نصف أشخاص أو أحداث بطريقة سلبية وبإستعمال لغة عاطفية غير حيادية ولا تستند للوقائع. مثلا حين نقول “كم هو شخص خبيث، هو لا يقدم المساعدة أبدا”. 10. الشخصنة: حين نضع المسؤولية كاملة على طرف واحد، أنفسنا أو الآخرين، في الوقت الذي فيه لا يمكن فعل ذلك. مثلا حين نقول “كل ما حصل كان بسببي وغلطتي”.
الجزء السلوكي في العلاج السلوكي المعرفي السلوك والتصرفات التي نقوم بها يوميا لها التأثير الكبير على الشعور. العلاج السلوكي المعرفي ينصح بالسلوكيات الصحية التالية: 1. غذاء سليم ومتوازن وصحي. 2. تمارين رياضية بشكل منتظم. 3. كمية كافية من النوم (8 ساعات في الليلة هي الكمية الموصى بها). 4. الحفاظ على شكل خارجي مرتب. 5. التواصل الدائم مع العائلة والأصدقاء. 6. قضاء بعض الوقت كل يوم خارج المنزل. 7. السماح للنفس بالشعور بالفخر بالانجازات مهما كانت وعدم التقليل من قيمة الذات. 8. الحفاظ على بيئة معيشية نظيفة ومرتبة. 9. الاختلاء بالنفس لبعض الوقت كل يوم، للتأمل أو قراءة كتاب، دون الانشغال بأي امر آخر حتى لو كان الهاتف النقال. الطريق الى التغيير: كيف يعمل العلاج السلوكي المعرفي؟ العلاج السلوكي المعرفي يساعدك على تشخيص أنماط تفكيرك، ويشجعك على مراقبتها وتغييرها. كنتيجة تغيير أنماط التفكير، تتغير التفسيرات المعطاة للأحداث، وبالتالي تتغير المشاعر والاحاسيس التي بدورها تؤثر على السلوك. ما تحتاجه الآن هو مفكرة ذاتية وشخصية (الكترونية أو ورقية). سوف تستعمل هذه المفكرة من أجل مراقبة ذاتك وأنماط تفكيرك، وتستبدلها بأنماط ايجابية أكثر. مراقبة الذات سوف تكون يومية، لفترة أنت تحددها، الى أن تشعر بالتحسن وتقرر التخلي عنها.
متى يتم استعمال المفكرة؟ يتم استعمال المفكرة على الأقل مرة باليوم، أو كل ما راودك شعور سلبي تود علاجه والتخلص منه. اذا قررت استعمال المفكرة مرة واحدة باليوم، اجعلها تكون مساءا، كي تستطيع تلخيص احداث اليوم قبل النوم. أما اذا قررت أن تعطي نفسك علاجا فعالا أكثر، استعمل مفكرتك في كل لحظة تشعر فيها بالضيق.
ماذا أكتب في المفكرة؟ يتم في المفكرة تحليل المشاعر بالطريقة التالية: 1. تشخيص أساليب التفكير (أفكار سلبية لا نهائية، التحليل مفرط، الانتقاد، التدقيق المفرط وإلقاء اللوم): ما هي أساليب التفكير المذكورة أعلاه التي استعملتها الآن/اليوم؟ متى استعملت أساليب التفكير هذه؟ في أي حدث؟ 2. تشخيص انتقاد الذات: ما هو الانتقاد الذي وجهته لذاتي الآن/اليوم وأثر سلبيا على ثقتي بنفسي: أي تصرف جعلني هذا الانتقاد أقوم به؟ أو أي تصرف منعني من أن أقوم به: 3. ما هو الحدث الذي أثر سلبيا على مشاعري الآن/اليوم؟ ماذا كان شعوري جراء هذا الحدث؟ ما هو التفسير الذي أعطيته لسبب حصول الحدث؟ ما هو السلوك الذي قمت به بعد اعطاء هذا التفسير؟ كيف شعرت بعد أن قمت بهذا السلوك؟ هل استعملت أخطاء تفكير من التي ذكرت أعلاه؟ أي أخطاء استعملت؟ هل هناك تفسير بديل للحدث؟ كيف يشعرني التفسير البديل؟ 4. ما هي السلوكيات الصحية والغير صحية في نمط حياتي التي قمت بها هذا اليوم؟ هذه الطريقة في تقنيات المساعدة الذاتية (خلافا عن باقي الطرق “الشعبية” المعتمدة “في السوق”) تعد طريقة علمية أجري عليها عدد كبير من الأبحاث التي أثبتت نجاعتها. للوصول الى نتيجة، يحتاج الامر الانضباط والمتابعة، كأي علاج نفسي آخر. الفرق أنك تستعمل هنا طريقة تمكنك من مساعدة نفسك لوحدك. في عيادتي الخاصة أستعمل هذه الطريقة ك”واجبات منزلية” للمتعالج، تساعده على مراقبة ذاته وادراك ما يدور في ذهنه مع اكتساب السيطرة عليه. لكن في الجلسات العلاجية نحن لا نكتفي بذلك، وكشخصين مفكرين في الغرفة نحاول البحث في عالمه الداخلي واستنتاج المعاني العميقة مع بناء قصته الذاتية، كما تنصح المدرسة التحليلية. تجربتي أثبتت أن هذا الدمج (طبعا مع العلاج الدوائي اذا احتاج الأمر) بمقدوره اعطاء أفضل وأسرع نتيجة.