صعوبات التعلم Learning Disabilities
صعوبات التعلم Learning Disabilities مقدمة : موضوع صعوبات التعلم Learning Disabilities من الموضوعات التي شغلت اهتمام الباحثين والعلماء في مجال علم النفس بصفة عامة وعلم النفس التربوي بصفة خاصة، وقد تزايد هذا الاهتمام بوجه خاص مع منتصف الستينات وبداية السبعينات، وامتد البحث في هذا الموضوع إلى عدة فروع أخرى من العلم مثل الطب النفسي والعصبي والتوجيه والإرشاد النفسي، والصحة النفسية، ومجال ذوى الاحتياجات الخاصة، أو ما كان يشار إليهم منذ فترة قريبة بذوي الإعاقات الخاصة، والمعوقين. ومع تقدم البحث في هذا الموضوع الحيوي، وانتشار مراكز البحث والمؤسسات المتخصصة في دراسة وعلاج حالات صعوبات التعلم من الجوانب المختلفة سواء الأكاديمية منها أو النمائية خفت حدة الخوف والقلق لدى أصحاب هذه الصعوبات وذويهم والقائمين على تربية ورعاية هذه الفئات. ولقد كان "البرت إينشتين" Albert Einstein عالم الرياضيات المشهور يعانى من بعض هذه الصعوبات في طفولته وما بعدها بعدة سنوات فلم يبدأ "إينشتين، الكلام حتى سن الثالثة من عمره، كما كان يجد صعوبة في تكوين الجمل حتى سن السابعة، وكان أدائه المدرسي بوجه عام دون المستوى المطلوب في مثل عمره. فلم يظهر أي تفوق في الحساب ولم تظهر لديه أي قدرات خاصة في أي من موضوعات الدراسة، بل كان يجد صعوبة واضحة في دراسة اللغات الأجنبية وتنبأ له أحد المدرسين بعدم التفوق في الدراسة. وامتدت صعوبات اللغة عند "إينشتين" حتى مرحلة متأخرة من العمر. كما كان يعانى من صعوبة الكتابة والتعبير. إما بالنسبة للمهارات المعرفية فقد كان يجد صعوبة في عملية التفكير، وخاصة فيما يتصل بالتعبير عن الأفكار(18). ولم يكن "إينشتين، وحده الذي كان من ذوي صعوبات في التعلم، سواء في تعلم بعض المواد الدراسية، أو في أداء بعض العمليات المعرفية التي تتصل بالجانب النمائي لهذه العمليات. بل كان هناك بعض المشهورين سواء من العلماء أو السياسيين مثل "وودروويلسون" Woodrow Wilson الرئيس الثامن والعشرين للولايات المتحدة الأمريكية فقد كان يعانى من صعوبة تعلم بعض الحروف حتى سن التاسعة وكذلك صعوبة في تعلم القراءة حتى سن الحادية عشرة. دولية صعوبات التعلم: مشكلة صعوبات التعلم لدست مشكلة محلية ترتبط بمجتمع معين أو بدولة معينة أو بثقافة معينة أو بلغة معينة، بل هي مشكلة ذات طابع عام توجد لدى بعض المتعلمين من أجناس مختلفة ذات ثقافات ولغات متباينة. وقد أكد دولية المشكلة تراكم البحوث والدراسات التي أجريت في كثير من دول العالم على أطفال لديهم بعض الصعوبات في تعلم بعض المهارات الأكاديمية والمعرفية. وقد أكدت تقارير هذه البحوث التي أجريت على هؤلاء الأطفال أنه ليست لديهم أي مشكلات في الذكاء، ولكن لديهم صعوبات حادة في تعلم اللغة سواء في القراءة أو في الكتابة أو في النطق. كما يوجد لدى البعض الآخر منهم صعوبات في تعلم العمليات الحسابية. ونظرا لأن المشكلة لها طابع عالمي أو شامل universal في الثقافات المختلفة، فقد ظهرت في كثير من دول العالم بعض المؤسسات والمراكز البحثية التي تهتم بدراسة ولحث هذه المشكلة. كما ظهرت بعض الدوريات العلمية التي تخصصت في نشر البحوث والدراسات التي تهتم بهذا الموضوع الحيوي من وجهة النظر الدولية ومن المؤسسات الدولية التي تهتم اهتماما خاصا بهذا الموضوع "الأكاديمية الدولية للبحث في صعوبات التعلم" The International Academy for Researching Learning Disabilities (IARID) وهى مؤسسة مهنية يطلق عليها "ثالماس" Thalmas تهتم بوجه خاص بالبحوث والدراسات الدولية في موضوع صعوبات التعلم وتصدر دورية منتظمة لنشر نتائج هذه البحوث والدراسات (23).
وقد تبين من تقارير عدد لا بأس به من البحوث والدراسات التي نشرتها الدورية التي تصدر عن هذه الأكاديمية أن هناك مظاهر مشتركة واضحة لحالات صعوبات التعلم التي خضعت للدراسة والبحث رغم أن هذه الحالات كانت من ثقافات مختلفة مما يؤكد على أن المشكلة ليست محلية ترتبط بثقافة معيدة أو بلغة معينة، بل أنها تعد مشكلة ذات طابع يتصف بالعالمية أو الشمولية.
وقد تبين من نتائج تقارير البحوث والدراسات الدولية التي نشرتها الأكاديمية الدولية للبحث في صعوبات التعلم أن المشكلة تتزايد في حالة وجود بيئات وثقافات وقيم وعادات مختلفة داخل المدرسة الواحدة وخاصة الصعوبات التي نتصل بتعدد لغات تلاميذ هذه المدارس ذات الثقافات والبيئات الاجتماعية واللغات المختلفة وتزداد حدة المشكلة حينما يكون لدى الطالب صعوبة خاصة سواء كانت أكاديمية أو نمائية. ولكن وجد من تقارير بحوث ودراسات هذه المؤسسة أن مشكلة تعدد الثقافات واللغات لا توجد إلا في دول معينة بذاتها، وتظل المشكلة موجودة داخل المؤسسة التعليمية التي لا يوجد بها تعدد في الثقافات واللغات ولاشك أن اتجاهات الآباء الثقافية يكون لها دورا مؤثرا في تزايد هذه المشكلات أو في زيادة حدتها لدى التلاميذ الذين يكون لديهم بعض الصعوبات (5). ما هي صعوبات التعلم؟ وما أهمية تحديدها؟ عادة ما يثير هذا السؤال كثيرا من المشكلات للمتخصصين في هذا المجال من مجالات علم النفس التي تهم بالدرجة الأولى المهنيين الذين يعملون في مجالات الرعاية وعلاج المشكلات السلوكية والنفسية وخاصة حينما يواجهون الفئات المختلفة من الأفراد الذين يبحثون عن إجابة لهذا السؤال من الآباء، أعضاء جمعيات الخدمة والرعاية الاجتماعية، العاملين في المجال التربوي، المتخصصين في العلوم الطبيعية ولهم صلة بالعمل التربوي، وكذلك الأخصائيين في ميادين العمل الاجتماعي والنفسي، ونتمثل أهم مشكلات تحديد ماهية السؤال الذي يتعلق مباشرة بتعريف مصطلح صعوبات التعلم، Learning Disabilities بجانبين أساسيين: الجانب الأول: يتعلق بالوصف الدقيق لجميع أشكال السلوك الذي يتصل بهذا المصطلح ويعتمد هذا الوصف الدقيق والشامل على مظاهر مشكلة الصعوبة كما ينظر إليها جميع المهتمين والمتخصصين في جميع المجالات المرتبطة بمشكلات وأعراض صعوبات التعلم.
الجانب الثاني: يتعلق بتحديد جميع مظاهر وأشكال السلوك السابق الإشارة إليه في الجانب الأول في مصطلحات سلوكية محددة بمكن قياسها بدقة وشمول، وخاصة ما يتصل بالسلوك الفعلي الذي يمارسه صاحب الصعوبة في لحظات ومواقف معينة ومحددة أثناء مواقف التعلم، والتأكد من عدد مرات وأوقات حدوثها مما يجعلنا نطلق على مظاهر هذا السلوك "سلوك صعوبة التعلم" Learning disability Behavior وكما هو شائع ومعروف بين المتخصصين في المجالات العلمية المختلفة ومنها مجال علم النفس قد يوجد اختلاف بين المهتمين بموضوع صعوبات التعلم سواه من الأكاديميين أو المهنيين حول التعريف الدقيق والشامل لهذا المصطلح. وقد يرجع هذا الاختلاف جزئيا إلى عدم الاتفاق حول بعض الأسس النظرية الأساسية المكونة للمصطلح مثل دور الجهاز العصبي المركزي في صعوبات التعلم. وقد يرجع هذا الاختلاف إلى التغيرات الكثيرة التي تطرأ على تعريف المصطلح نتيجة المراجعات المستمرة لماهية المصطلح، وخاصة ما يتعلق بالتعريفات التي تتعامل بها المؤسسات والهيئات الحكومية المهتمة بالأفراد الذين يعانون من هذه الصعوبات والمشكلات السلوكية والنفسية الناشلة عنها (20).
وقد أشار "باتمان وهارنج" Bateman (1969) Clements Haring في التقرير الذي صدر عن فسم الصحة العامة بالولايات المتحدة الأمريكية إلى أن هناك عدة تفسيرات لهذا المصطلح ظهرت نتيجة الآراء والتوجهات المتباينة لمختلف المهنيين والمؤسسات المهتمة بهذه المشكلة. وخلال هذه الفترة التي تعددت فيها هذه التوجهات لم تستقر الآراء حول تعريف واحد شامل للخصائص التي يتضمدها هذا المصطلح. وكانت محاور هذه الاختلافات تتعلق بتوجيه التعريف نحو نماذج تشخيصي معين للصعوبات أو إلى اعتبار أن صعوبات التعلم تشتمل على تصنيفات فرعية تتضمن التأخر الدراسي، Retardation والتربية الخاصة، Special education والقصور العصبي، Neurological Impairment لمتغير مميز أو لسبب آخر، أو أن هذا المصطلح يتضمن أو يعنى جميع الخصائص التي تتضمنها المحاور السابقة (2).